إقرار "العتبة الانتخابية": هل يكون البرلمان التونسي المقبل "دون ألوان"؟

16 نوفمبر 2018
الأحزاب الكبرى أكبر مستفيد (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أقرت لجنة النظام الداخلي والحصانة في البرلمان التونسي، أمس الخميس، مشروع قرار جديد في قانون الانتخابات والاستفتاء، يقضي برفع العتبة (الحد) المطلوبة للحصول على مقعد في البرلمان إلى خمسة في المئة من مجمل الأصوات في الدائرة الانتخابية، رغم موجة المعارضة التي يواجهها من الأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المختصة بالانتخابات.


وينص المشروع الجديد الذي اقترحه رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، وأحاله على البرلمان، على وضع عتبة أو سقف للأصوات المحصول عليها مقابل مقعد في السلطة التشريعية يقدر بخمسة في المئة، ويأتي ذلك في إطار تنظيم الحياة الحزبية المتسمة بالتشتت، وفي إطار أزمة الحكم التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي، نظرا لعدم وجود أي كتلة برلمانية حاصلة على الأغلبية المطلوبة لتمرير القوانين (109 أصوات)، نتيجة نظام الاقتراع على أكبر البقايا، وفق ما ورد في وثيقة شرح الأسباب التي أرفقتها الجهة المبادرة بمشروع التنقيح.

وحظي التنقيح بتصويت نواب كتلة حزب "النهضة" ونواب "النداء" و"الائتلاف الوطني" لفائدته، فيما عارضته كل أطياف المعارضة البرلمانية، والمستقلون. ودرست اللجنة، بالتوازي مع ذلك، تنقيحاً ثانياً متعلقاً بالدوائر الانتخابية وإعادة تقسيمها من جديد، وفق قاعدة عدد السكان لتصبح عدد المقاعد 232 مقعداً بدل 217.

واعتبر القيادي في "حركة النهضة" الحبيب خذر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الرفع في سقف العتبة يهدف أساساً إلى عقلنة مشهد سياسي ضبابي غير مفهوم، وترشيده عبر دفع الأحزاب الصغيرة إلى التجمع ودخول الانتخابات معا، في إطار مشاريع سياسية جامعة تقوم على القواسم المشتركة. وأبرز المتحدث ذاته، أن مئتي حزب ينشطون في الساحة السياسية، قادرون على البناء على المشترك بينهم من أجل الترشح للانتخابات. كما ستتيح العتبة ترشيد المشهد ككل، والإفساح في المجال فقط للترشحات الجدية. وأوضح أن "الدول التي شهدت ثورات في تاريخها شهدت أيضا انفجارا في عدد الأحزاب، لكنها قامت أيضاً بترشيد المشهد لوضع قواعد انتخابية، تجمع المتقاربين وتعقلن الساحة الحزبية لضمان مقروئيتها وفهمها من الناخبين".

وعلق خذر لـ"العربي الجديد"، على استنكار بعض المنظمات عدم تعميق الحوار حول هذا التنقيح، بأن "الأمر لم يمرر خلسة وإنما استوفى النقاش داخل اللجنة، ونشر على الموقع الإلكتروني لمجلس نواب الشعب. وقد استمعت اللجنة لعدد من الخبراء، الذين اعتبروا الخطوة إيجابية في اتجاه عقلنة المشهد".

في المقابل، تستعد المعارضة لخطوات تصعيدية، إذ اعتبرت نفسها مستهدفة مباشرة من هذا التنقيح الجديد. ولفت عضو "الكتلة الديمقراطية" المعارضة عماد الدايمي لـ"العربي الجديد"، أن رغبة الأطراف الحاكمة التموقع في أفق الاستحقاقات القادمة، وفي مقدمتها الانتخابات التشريعية وبسط نفوذها على كامل المشهد السياسي خلالها، جعل هذه الأحزاب تمرر تنقيحاً لم يحظ بالنقاش والحوار اللازم مع مختلف القوى، والاستفراد بالرأي بدل الدعوة لحوار وطني تدلي جميع الحساسيات برأيها حوله.

وأعلن الدايمي أن الرفع في العتبة، "دفعه إلى التفكير بجدية في جدوى الترشح للانتخابات القادمة، أمام قوى سياسية تريد أن تحصر الحضور في عدد من القوى، التي لديها الإمكانات المادية والحضور على مستوى مؤسسات الدولة والإعلام، إذاً نتائجها محددة سلفاً" على حد تعبيره. ويأمل الدايمي القيادي في حزب "حراك المواطنين"، أن "تراجع بعض القوى موقفها، ولا سيما أن الحسابات السياسية الضيقة، لا يمكن أن تخدم مصلحة الأطراف الحاكمة، فإقرار هذه العتبة قد يؤدي لتراجع المشاركة السياسية، وهي ضربة حقيقية للمسار الديمقراطي في البلاد وتهديد للمسار الديمقراطي". ويعتزم الدايمي التنسيق مع حزبه ومع بقية الأحزاب المعارضة، من أجل النضال لإسقاط هذا المقترح، الذي لم يتم الاستماع إلى رأي المعارضة فيه، وتم تمريره دون مناقشة في الرأي العام والأحزاب المعنية بالانتخابات.

وترى "الجبهة الشعبية" بدورها، أنها من بين المستهدفين من هذا التنقيح، الذي وصفه القيادي وأمين عام حزب "الوطنيون الديمقراطيون" زياد لخضر لـ"العربي الجديد" بـ"الإقصائي وغير الديمقراطي"، وأشار إلى أن تنقيح القانون يعود إلى التذمر الذي تعيشه الحكومة وبقية مكونات الحكم من أصوات المعارضة. ويهدف التعديل إلى "تغييب الصوت المقرف، الذي يعوق تمرير مشاريع الحكومة وضمان تغييبه في البرلمان المقبل" على حد قول لخضر، مبيناً أنه "بغض النظر عن العتبة، فإنه كان الأولى لرافعي شعار عقلنة المشهد السياسي، أن يولوا اهتمامهم إلى مسائل أكثر خطورة، على غرار تمويل الأحزاب السياسية ومصادرها وتقديم تقاريرها الرقابية من عدمه، والإنصاف في الحضور الإعلامي وغيره. ونبه لخضر إلى أن الرفع في العتبة والرغبة في إقصاء "الجبهة الشعبية" لن يمنعاها من أن تبقى حية وفاعلة، فهي المعارضة ذاتها التي قارعت النظام الدكتاتوري، وخاضت صراعها السياسي معه خارج مؤسساته وبين التونسيين وحازت تعاطفهم.



من جانبها، عبّرت منظمة "البوصلة" في بيان صحافي أصدرته اليوم، عن استغرابها تمرير التنقيح واصفة العملية بالخطيرة، ومستنكرة استعجال النظر فيه وخاصة في ظل انشغال مجلس نواب الشعب بمناقشة مشاريع الموازنات الخاصة بالوزارات. ولفتت إلى أنه لو استعملت عتبة الخمسة في المئة وطبقت في الانتخابات الماضية، لاستأثرت كتلتا "النهضة" و"النداء" بأكثر من تسعين في المئة من المقاعد، ولما كان للمستقلين والمعارضة إلا تمثيلية ضعيفة للغاية.



وفي السياق، اعتبرت منظمة "عتيد من أجل شفافية ونزاهة الانتخابات" في بيان صدر عنها اليوم، أنه كان أحرى بالبرلمان أن ينشغل بالأوليات الحقيقية لإصلاح المنظومة القانونية والمؤسساتية للانتخابات، بدل إدراج تنقيح سيكون له تداعيات كبيرة على تركيبة البرلمان المقبل، كما لم تأخذ اللجنة المختصة برأي المنظمات المعنية بالشأن الانتخابي. وطالبت المنظمة البرلمان بالتريث وفتح باب الحوار حول أولويات إصلاح المنظومة.