لم يحمل خطاب رئيس الدولة في الجزائر عبد القادر بن صالح، ليل الخميس ــ الجمعة، أي جديد على صعيد حلحلة الأزمة السياسية الراهنة في الجزائر أو تلبية مطالب الحراك بتغيير رموز النظام، تحديداً في الحكومة على الأقل، بل على العكس من ذلك شكّل مضمون خطابه، الذي أتى عشية خروج الجزائريين في تظاهرات الجمعة الـ16 من الحراك الشعبي، أمس، زخماً للاحتجاجات، إذ ردّ الجزائريون في الشارع على المواقف والمقترحات التي تطرحها المؤسسات الرسمية والجيش. ولم يقدم بن صالح، الذي رفض الاستقالة أو التنحي من منصبه، رغم مطالبات الحراك الشعبي وقوى المعارضة السياسية برحيله، متحدثاً عن بدء ترتيبات عملية لتشكيل هيئة مستقلة تشرف على تنظيم الانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية، أية تنازلات أو قرارات جدية يمكن أن تكون استجابة لمطالب الحراك الشعبي، على عكس التوقعات التي رجحت، منذ إعلان التلفزيون الحكومي عن إذاعته خطاباً وصفه بالهام لرئيس الدولة، إمكانية أن يحمل الخطاب مقترح خطة سياسية وتنازلات جدية تتيح للبلاد الخروج من الأزمة التي تعيشها منذ بدء تظاهرات الحراك الشعبي في 22 فبراير/ شباط الماضي، للمطالبة برحيل النظام السياسي.
أقل المتفائلين بالخطاب كان يتوقع أن يبادر بن صالح إلى إعلان استقالة حكومة نور الدين بدوي التي بات استبعادها في الوقت الحالي، بحسب رأي الحراك والمعارضة، ضرورة سياسية لتجاوز حالة الانسداد والقطيعة بين المكونات السياسية والمدنية ومؤسسات الدولة، بينما كان أكثر المتفائلين يذهب بعيداً بأن يعبر رئيس الدولة عن نيته التنحي من منصبه لإتاحة الفرصة لحل سياسي. لكن وبخلاف كل هذه التكهنات، ارتكز خطاب بن صالح على نقاط رئيسية، أهمها إعلانه الاستمرار في منصبه حتى إجراء انتخابات رئاسية يسلم فيها العهدة الرئاسية إلى رئيس منتخب. مع العلم أن المجلس الدستوري ألغى الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 4 يوليو/ تموز المقبل، من دون تحديد موعد آخر. ويعني ذلك رفض مقترح "المرحلة الانتقالية" المطروح من المعارضة والحراك الشعبي، وبدء تجهيز العدة القانونية للهيئة المستقلة للانتخابات، وتجديد الدعوة إلى التوافق والحوار السياسي. وهي تقريباً المعطيات والمقترحات نفسها التي طرحها قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في خطابه الأخير، الشهر الماضي، في تأكيد لاصطفاف الجيش خلف بن صالح، وتحديده المربع السياسي الذي يتحرك في إطاره، ومنعه من تقديم أي تنازلات سياسية من دون موافقة الجيش.
العنصر اللافت الوحيد في ثالث خطاب يلقيه بن صالح منذ تسلمه رئاسة الدولة في 9 إبريل/ نيسان الماضي، عقب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 2 إبريل، هو تلافيه هذه المرة تحديد تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة لإجراء انتخابات رئاسية، حتى تجهيز وتوفير الشروط السياسية واستكمال الترتيبات التقنية والقانونية المتعلقة بإنشاء هيئة مستقلة تُنقل إليها الصلاحيات الكاملة لتنظيم الانتخابات، فضلاً عن استبعاد وزارة الداخلية والحكومة من ذلك، بخلاف ما أعلنه في 9 إبريل الماضي عندما قرر إجراء انتخابات رئاسية في 4 يوليو المقبل، رفضها الحراك الشعبي وأعلنت القوى والشخصيات السياسية مقاطعتها.
وعلى الرغم من أن أغلب القوى السياسية فضّلت التريث في إصدار مواقف وأرجأت ذلك إلى ما بعد تظاهرات الجمعة الـ16، أمس، إلا أن المواقف والقراءات المتعلقة بخطاب بن صالح الأخير، أظهرت أنه لا يملك هامش الحرية السياسية الكبيرة التي تمكّنه من المبادرة على نحو منفرد أو تقديم تنازلات سياسية للحراك والمعارضة، بسبب تحكم الجيش، كسلطة فعلية تمسك بكل تفاصيل المشهد.
في هذا السياق، اعتبر رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، محسن بلعباس، أنه "في الجزائر فقط يتعذّر على أولئك الذين يشغلون منصب رئيس الدولة إلقاء الخطب على الهواء مباشرة"، في إشارة إلى أن "إلقاء بن صالح لخطب مكتوبة منذ تسلمه رئاسة الدولة، يؤكد أنه يتحرك في هامش سياسي ضيق". ولفت إلى أن "الوضع الذي تعرفه الجزائر يفرض علينا الاستمرار في مواقفنا وفي تعبئة المواطنين حتى رحيل النظام ورموزه والتأسيس لنظام سياسي جديد".
واعترض أحمد عظيمي، المتحدث الرسمي باسم حزب طلائع الحريات، الذي يقوده رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، على خطاب بن صالح، قائلاً إنه "اتخذ مساراً غير دستوري عبر قراره الاستمرار في منصبه، استناداً إلى فتوى أصدرها المجلس الدستوري، مطلع الشهر الحالي". ولفت في تصريحات صحافية، إلى أن "مهمة بن صالح تنتهي في 9 يوليو المقبل، وليس من حقه البقاء في منصبه بعد هذا التاريخ". وأشار إلى أن "بيان أحزاب المعارضة الثمانية الذي سبق خطاب بن صالح بيومين، أكد على ضرورة رحيل الأخير من منصبه".
وذهب رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، في برنامج تلفزيوني، إلى السياق نفسه، إذ اعتبر أن "قرار بن صالح تمديد عهدته يستند إلى المادة 103 من الدستور. وهي مادة تخص تمديدها في حال وفاة مرشح للانتخابات الرئاسية خلال فترة الانتخابات ولا علاقة لها بالوضع الحالي".
ولم ينظر قطاع واسع من الناشطين في الحراك الشعبي بعين الرضى إلى خطاب بن صالح، واعتبروا أن "فيه ملامح استفزاز ستدفع الحراك الشعبي والمعارضة إلى التمسك أكثر بمطالبها والتشدد بضرورة رحيل رموز نظام بوتفليقة، ورفض إجراء أي حوار سياسي معهم، أي بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي".
بدوره، وصف الناشط في الحراك الشعبي سمير بلعربي، خطاب بن صالح بـ"الاستفزازي"، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "خطاب بن صالح كان خطاباً لتمديد عهدته بعد التاسع من يوليو، وهذا برأيي، إصرار على إطالة عمر الأزمة وتحدٍ للشعب من ناحية تمسكه بمنصبه، فيما الحراك يطالبه بالتنحي من منصبه منذ أسابيع". وعلّق على دعوة بن صالح إلى الحوار والتوافق قائلاً: "مبدئياً لا أحد ضد الحوار، لكن دعوة بن صالح للحوار مرفوضة، لأنه سبق أن أعلنّا كناشطين رفضنا للحوار مع رموز نظام بوتفليقة، ناهيك عمّن يحاور من؟ وعبر أي آلية؟".
من جهته، اعتبر المحلل السياسي توفيق محمد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "خطاب بن صالح لم يحمل أي جديد إلا تأكيد دعوة سابقة لقائد الأركان بأن الحوار مفتوح من دون شروط مسبقة أو سقف، وفيه تكريس للغة المخاوف السائدة، بينما يفترض في حل الأزمات أن تسود لغة الثقة والتطمين". وأكد محمد أن "خطاب بن صالح سيزيد من تصلب الحراك في مطالبه، خصوصاً أن الخطاب اكتفى بالعموميات ولم يشر إلى الحراك كفاعل في الأحداث، ولا إلى المطالب الشعبية من قريب ولا من بعيد. أما بالنسبة للأحزاب السياسية فهي رهينة لمواقف الحراك، ولن تعاكس مواقفه، وهي رهينة سلطة الواقع الحالية، إذ لم تتمكن من إحداث أي اختراق في جدار الجمود القائم منذ استقالة بوتفليقة".