شرح القانون... معضلة الانتخابات الأردنية

26 يوليو 2016
حلّ الملك البرلمان في 29 مايو (العربي الجديد)
+ الخط -
أغرقت الأردن منذ نحو شهر بآلاف اللوحات الإعلانية، التي تحثّ المواطنين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في 20 سبتمبر/أيلول المقبل، التي يروّج لها النظام كنقطة تحوّل في الحياة السياسية الأردنية باتجاه الانتقال للحكومات البرلمانية. أما الأحزاب والقوى الوطنية، التي قررت المشاركة في الانتخابات، فترى بأن نتائجها لن تحدث فرقاً في المشهد السياسي، لكنها بررت مشاركتها بشعارات فضفاضة، تتراوح بين استشعار اللحظة التاريخية والحرص على المصلحة الوطنية. أما شعبياً فاللامبالاة تسيطر على المواطنين تجاه الحراك الانتخابي، الذي لم يخالف قواعده التقليدية القائمة على المال السياسي والدعم العشائري.


وكان الملك عبد الله الثاني، قد حلّ مجلس النواب السابع عشر قبل إنهاء مدته الدستورية، في 29 مايو/أيار الماضي، آمراً في 8 يونيو/حزيران الماضي، بإجراء الانتخابات، التزاماً بالدستور الذي ينصّ على إجرائها خلال أربعة أشهر من تاريخ حلّ مجلس النواب.

بالتالي تجري الانتخابات المنتظرة وفقاً لقانون انتخاب جديد "معقّد" يعتمد نظام "القائمة النسبية المفتوحة" على مستوى المحافظات، مع تقسيم المحافظات الكبيرة منها إلى دوائر متعددة. ومنذ مصادقة الملك على القانون الانتخابي في 13 مارس/آذار الماضي، أصبحت المعضلة الكبرى تتمثل في تبسيط القانون وتوضيحه للمواطنين. وهي المعضلة التي تسعى الهيئة المستقلة للانتخاب، المعنية بإدارة العملية الانتخابية، إلى تفكيكها من خلال حملات دعائية وتوعوية ضخمة، أطلقها عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، ومواقع التواصل الاجتماعي، مضافاً إليها المحاضرات والجلسات الحوارية التي تعقدها في جميع محافظات المملكة.

وقبل أقلّ من شهرين على الانتخابات، أقرّت الهيئة أن مهمتها بالتعريف بالقانون ونظامه الانتخابي لم تنتهِ. في هذا السياق، يقول المتحدث باسمها جهاد المومني، إنه "ما يزال أمام الهيئة مهمة مكثّفة لتشرح للمواطنين كيفية الاقتراع وطريقة استخراج النتائج وإعلانها بعد انتهاء عملية فرز الأصوات، وذلك بعد أن نفّذت حملات لتعريفهم بقانون الانتخاب وآلية عمل الهيئة المستقلة".

لكن خطة التوعية والتثقيف التي تضمنت للآن توزيع أكثر من 500 ألف منشور و1.8 مليون رسالة نصّية على الهواتف وإنتاج 28 شريط فيديو، وبثّ مئات الإعلانات التلفزيونية والإذاعية ومثلها من الرسائل التوعوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وموقع الهيئة الإلكتروني، ما تزال تصطدم بجهل واضح من قبل المواطنين بالقانون ونظامه، الأمر الذي يتّضح في غياب الدراسات العلمية حول مدى معرفة المواطنين بالقانون من خلال تكرار نفس التساؤلات، والمتعلقة بطريقة تشكيل القوائم وآلية الاقتراع وطرق احتساب الفائزين.


المنسّق العام للتحالف المدني لرصد الانتخابات (راصد) عامر بني عامر، يُرجع الصعوبات التي تعانيها الهيئة في شرح القانون وتبسيطه للمواطنين إلى "الظروف الموضوعية التي تحكم عملها". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ صدور الأمر الملكي بإجراء الانتخابات، أصبحت الهيئة مُلزمة بالمهل القانونية، التي تحدد مجريات العملية الانتخابية منذ تحديد موعد الاقتراع وحتى صدور النتائج، مروراً بمرحلة إعداد جداول الناخبين والطعون والترشح والدعاية الانتخابية وغيرها من المراحل".

ويعتقد بني عامر أن "الهيئة لم تكن محظوظة لتزامن انطلاق عملها مع حلول شهر رمضان، الذي يشهد تراجعاً في اهتمام المواطنين بالشؤون السياسية لصالح التزامهم بالطقوس الرمضانية"، مشيراً إلى أن "المطلوب من الهيئة خلال الفترة المقبلة، بذل جهد استثنائي لشرح القانون وطريقة الاقتراع وغيرها من الأمور المتعلقة بمجريات العملية الانتخابية". ويُشدّد في الوقت ذاته على "ضرورة أن تساهم الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمرشحون المفترضون في هذا الجهد".

ونظام "القائمة النسبية المفتوحة" الذي اعتمده القانون الجديد، اشترط على المرشحين خوض الانتخابات عبر قوائم انتخابية فقط، ومنح الناخب صوتاً للقائمة وأصواتاً بعدد المرشحين في القائمة، حيث ينصّ القانون على ألا تقلّ القائمة عن ثلاثة مرشحين ولا تزيد عن عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، مع منح الناخب الحق في اختيار مرشح أو أكثر من القائمة التي يصوّت لها فقط.

المسؤولون الأردنيون دافعوا عن القانون الجديد الذي ودّع قانون "الصوت الواحد"، الذي كان معتمداً منذ العام 1993، وحُمّل مسؤولية خنق الحياة السياسية، بأنه قانون يشجّع على بناء التحالفات السياسية بين الأحزاب والقوى الوطنية. وهو الدفاع الذي رفضته الأحزاب، كون طريقة احتساب النتائج المعتمدة تضمن عدم فوز أكثر من مرشحين من نفس القائمة في أفضل الأحوال. وهو ما رأت فيه معرقلاً أمام تشكيل أغلبية نيابية تحت قبة البرلمان، تؤدي مستقبلاً لتشكيل حكومات برلمانية، إضافة إلى خلق منافسة بين المرشحين داخل القائمة الوحدة.

بعيداً عن الجدل المتواصل حول القانون، ومعوّقات شرحه أمام جمهور المواطنين، يواصل الحراك الانتخابي الاستناد إلى القواعد التقليدية التي تحكم الانتخابات النيابية تاريخياً. وقد أطلّ المال السياسي برأسه مبكراً، بعد استغلال مرشحين مفترضين شهر رمضان، لتقديم المساعدات الخيرية بأسمائهم الشخصية على الفقراء، تمهيداً لاستثمار تلك المساعدات في استمالتهم عند مرحلة الترشح. وليس بعيداً عن ذلك، يُبيّن المتحدث باسم الهيئة المستقلة، جهاد المومني، أن "الهيئة مكبّلة اليد فيما يتعلق بالعبث بإرادة الناخبين، عن طريق استغلال حاجاتهم وتقديم المساعدات الخيرية لهم، لعدم وجود مشتكي في مثل هذه الحالات".

وفي مسعى للحدّ من استشراء المال السياسي في الانتخابات، لحظ القانون زيادة العقوبات على المال السياسي، كما قررت الهيئة تحديد سقف مالي للحملات الدعائية للقوائم الانتخابية، يتم مراقبتها من خلال حسابات مصرفية خاصة. لكن المومني يؤكد أن "كل هذا لا يكفي ويجب على الآخرين القيام بما يتوجب عليهم فعله لمواجهة المال السياسي، ويبقى المواطن الأساس الذي يتحمل المسؤولية عن إنجاح المال السياسي أو إفشاله". وإضافة إلى المال السياسي، تتواصل ظاهرة الانتخابات الداخلية التي تجريها العشائر لتسمية مرشحيها للانتخابات، رغم أن القانون الجديد حدّ من أثر العشائرية في المشهد الانتخابي. وذلك على الرغم من إعلان العديد من المرشحين المفترضين للانتخابات حصولهم على إجماع عشائري لخوضها.

ويرى الشيخ العشائري أحمد الشراب، أن "استمرار الدور العشائري في الانتخابات النيابية، تأكيد على اهتمام العشائر الأردنية بالشؤون السياسية للبلاد". ومع إقراره بتراجع قدرة العشيرة على إيصال مرشحها إلى قبة البرلمان يقول "الإجماع العشائري يساعد المرشحين حتى الحزبيين منهم في بناء تحالفات انتخابية".

ونتج عن توسّع الدوائر الانتخابية في القانون الجديد تراجعاً في دور العشيرة، بعد أن كانت في الانتخابات السابقة التي جرت على قانون "الصوت الواحد" صاحبة الكلمة النهائية في تحديد الفائز بالمقعد النيابي، إذ كانت الدائرة الانتخابية في السابق تخضع أحياناً لسيطرة عشيرة وأحد أو عشيرتين متنافستين، وهو ما أنهاه القانون الجديد.