القراءة الصحافيّة/السياسيّة للمراسيم التطبيقيّة، الصادرة عن مكتب وزارة الخزانة الأميركية لمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) تُشير إلى أن الجانب الأميركي سعى لحصر العقوبات وليس توسيعها. "الأمر الجيّد أنهم حددوا مَن تطاول العقوبات بشكلٍ واضح، ولم يتركوا مجالاً للاجتهاد"، يقول جابر الذي كان في عداد الوفد البرلماني اللبناني الذي زار واشنطن في فبراير/شباط الماضي، لبحث هذه المراسيم التطبيقيّة قبل صدورها.
إذ يُحدد الأميركيون الجهات التي يطاولها القانون بالتالي: حزب الله كمنظمة، الأفراد والشركات والممتلكات التي وضعت على لوائح العقوبات الأميركية والدوليّة. وهذا بالضبط ما حاول الوفد النيابي اللبناني الدفع باتجاهه بحسب ما يُشير جابر. فقد كان هناك تخوّف لبناني من ترك الباب مفتوحاً، عبر الإشارة إلى أن العقوبات تطاول حزب الله وعناصره وداعميه.
وبحسب جابر، فإن هذا الأمر كان سيشكّل ضربة كبيرة للقطاع المصرفي، وستشعر طائفة بأكملها بأنها مستهدفة، ويؤدي إلى سحب الودائع من المصارف بشكلٍ كبير، خصوصاً أن مناصري حزب الله والمواطنين الشيعة ومناصري التيار الوطني الحرّ والقومي وغيرها من القوى المتحالفة مع حزب الله ستشعر بأنها مستهدفة بهذا القانون.
وبالتالي، يشعر جابر بأن المراسيم التطبيقيّة بشكلها الحالي، جنبت لبنان والقطاع المصرفي فيه "أضراراً جانبيّة" كان يُمكن أن تؤدي إلى نتائج قاسية على البلد، ولا يتردد جابر في الإشارة مراراً خلال الحديث إلى أن القانون سيئ وقاسٍ ومؤذٍ، لكنه يلفت إلى أن التحرك اللبناني باتجاه واشنطن جاء بعد صدور القانون وليس قبله.
لكن المراسيم التطبيقية الأميركيّة، أحبطت محاولة سبق لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن طرحها لحلّ مشكلة حزب الله الناتجة عن العقوبات، والذي سبق أن أعلن أن لا مشكلة إذا ما تعامل حزب الله بالليرة اللبنانيّة، لأنها العملة الوطنية، ولأن العقوبات صادرة عن واشنطن. لكن المراسيم التطبيقيّة تشير إلى أن هذه العقوبات تطاول كل العملات، وكل البلدان والمصارف. وهنا يُشير مصدر مصرفي، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" إلى أن قيام أحد المصارف بفتح حسابات مصرفيّة للأفراد أو المؤسسات المدرجة على لوائح العقوبات، قد يُعرّضه لمصير مشابه للمصرف اللبناني الكندي، الذي جرت تصفيته وبيعه بسبب تورطه بتبييض الأموال لصالح حزب الله.
ويؤكّد وزير الاقتصاد اللبناني، آلان حكيم، في اتصال مع "العربي الجديد" أن العقوبات تطاول كل العملات، وأن القانون يرتكز على التحويلات والمعاملات المصرفية والضخ المالي، وبالتالي فإن مجال تطبيقه الأساسي هو المصارف. وعند سؤاله عن الطريقة التي ستعتمدها مؤسسات حزب الله لتفادي العقوبات، يقول حكيم: "لديهم سبلهم".
وعلى هذا الأساس، فإن الشركات التي تتعامل مع الشركات أو الأفراد المدرجة أسماؤهم على لوائح العقوبات ستطاولها العقوبات أيضاً، خصوصاً أن المصارف اللبنانيّة تلتزم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، والذي يشترط ذكر مصدر الأموال النقديّة وتبريره قبل إيداعه في المصارف. ولإعطاء مثل حي، فإن قناة "المنار" التي تطاولها العقوبات، لا يُمكنها دفع ثمن معداتها أو مصاريف عبر تحويلات ماليّة أو شيك مصرفي، بل ستضطر إلى الدفع بالمبالغ النقدية. وهنا مشكلة ثانية. فالشركات التي تزوّد "المنار" بهذه المعدات لا يُمكن أن تُودع الأموال في المصارف خصوصاً إذا كانت مبالغ كبيرة. كما أن "المنار"، أو أي شركة طاولتها العقوبات، لا يُمكن أن تدفع رواتب العاملين فيها عبر حسابات التوطين المصرفي، وهو ما قد يؤدي إلى حرمان هؤلاء من إمكانيّة الحصول على قروض مصرفيّة.
وإذا، ما ثبت أن هناك شركات تقوم بالتعامل مع الأفراد أو الشركات المدرجة على لوائح الإرهاب، فسيتم إدراجها، "كما أن هناك إمكانية لشطب شركات موجودة عن اللائحة إذا ما قدمت المستندات اللازمة لشرح أسباب تعاملها السابق، وما يؤكّد أنها توقّفت عنه".
ينتظر اللبنانيّون صدور التعاميم عن مصرف لبنان لتحديد كيفيّة التعامل مع القانون الأميركي ومراسيمه التطبيقيّة، وخصوصاً أن هناك العديد من الشركات والجمعيات التي تطاولها العقوبات تنشط في البلد مثل: جمعية القرض الحسن، وجمعية الإمام الخميني الخيرية، وجمعية دعم المقاومة الإسلامية، ومؤسسة جهاد البناء، ومؤسسة الشهيد، وقناة المنار، وإذاعة النور، إضافة إلى عدد آخر من الشركات والأفراد (على رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصرالله والمسؤول العسكري فيه والمتهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري، مصطفى بدرالدين المعروف بذو الفقار إلى جانب أسماء عدة أخرى له). كما كان لافتاً أن العقوبات بدأت تطال منذ فترة عدداً من رجال الأعمال المسيحيين بسبب ارتباطهم بأعمال مع حزب الله. لكن الواضح أن الأميركيين انتقلوا إلى مرحلة أكثر جدية في المعركة مع حزب الله، الذي سيضطر إلى توسيع "السوق" الخاص به، وهو أمر موجود حالياً، لكن هذا "السوق" سيكون معزولاً أكثر وخطراً على كلّ من يعمل فيه. وينعكس هذا الأمر على البيئة القريبة من حزب الله من رجال أعمال وشركات، التي باتت غير قادرة على التعامل المالي مع مؤسساته.