لم ينته نظرياً على الأقل، خطر إقرار قانون "جاستا"، JASTA، أو "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، بعد استخدام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس الجمعة، حق النقض الفيتو، عقب الموافقة عليه من قبل الكونغرس الأميركي، بغرفتي الشيوخ والنواب. إذ من الممكن أن يتحدى مجلس النواب فيتو الرئيس، ويقوم بتمرير القانون بغالبية الثلثين، لكن الأمر مستبعد، وفق المعطيات الحالية.
قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، يستهدف بصورة رئيسية المملكة العربية السعودية، إذ يسمح القانون لذوي ضحايا أحداث سبتمبر/أيلول 2001 برفع دعاوى قضائية ضد السعودية في المحاكمة الأميركية، مما يجعل العلاقات السعودية – الأميركية على المحك، بسبب قرار قضائي من المحاكم المحلية في الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يصعب القول فيه إن الرئيس الأميركي، استخدم حق النقض "الفيتو" ضد القانون، استجابة للضغوط السعودية، يصعب أيضاً استبعاد الدور الذي تلعبه هذه الضغوط، خصوصاً أنها تحولت لموقف مدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، التي تمتلك علاقات متينة مع الجانب الأميركي، بالإضافة إلى الموقف التركي الذي عبر عن رفضه للقانون، على لسان وزارة الخارجية التركية، أمس، ومطالبة الرئيس الأميركي، بنقضه.
ويرى محللون أن إقرار قانون "جاستا"، أو العدالة ضد رعاة الإرهاب، له انعكاسات سلبية هائلة على علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها، وحربها على "الإرهاب". وهذا ما يجعل تعقيدات الموضوع تفوق مسألة الضغوط السعودية على الولايات المتحدة، والتي عبر عنها في وقت سابق، وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عندما لوح بورقة سحب السعودية لاستثماراتها من الولايات المتحدة، في حال إقرار القانون، خشية أن يتم تجميدها.
ومارس هذه الضغوطات أيضاً على الولايات المتحدة، ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف، والذي أكد في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام، أن القرار "يلغي أهم المبادئ التي قام عليها القانون الدولي، أي مبدأ الحصانة السيادية"، مضيفاً بأن المملكة "بذلت جهوداً كبيرة في إحلال السلام وإرساء الاستقرار في المنطقة والعالم"، مؤكداً أن السعودية بذلت جهوداً واسعة لمواجهة الإرهاب، وأسفرت جهودها عن "إحباط عمليات إرهابية في دول صديقة" في تلميح إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى مراقبون أنه لولا تعاون السعودية مع الولايات المتحدة، في محاربة الإرهاب، لما تمكنت الأخيرة من استهداف قادة تنظيم (القاعدة)، وإحباط عمليات تستهدف أميركيين في الخليج، بل وأخرى تستهدف التراب الأميركي.
يأتي قرار الرئيس الأميركي، باستخدام حق النقض "الفيتو"، ضد "جاستا"، مدفوعاً بأمرين أساسيين، عبّر عنهما لتبرير رفض قانون الكونغرس. الأمر الأول، هو تأثيرات "إلغاء الحصانة السيادية للدول"، والتي يتضمنها "جاستا"، على القانون الدولي، وعلاقة الولايات المتحدة بحلفائها، تلك العلاقة التي ستصبح مهددة بأي قرار قضائي من أي محكمة أميركية.
الدافع الثاني، يتعلق بالسعودية تحديداً، ومحاربة الإرهاب، إذ يخشى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن يؤثر القانون في التعاون الأميركي – السعودي لمحاربة الإرهاب، لا سيما تنظيمي "القاعدة"، و"الدولة الإسلامية" (داعش). لا سيما أن القانون اعتبر، بلا جدل، موجهاً ضد المملكة العربية السعودية.
وجاءت في تبريرات أوباما رفضه قانون "جاستا"، أن القانون "يمكن أنّ يحدّ من التعاون مع الحلفاء في مكافحة الإرهاب"، بالإضافة إلى كونه "يؤثر على حصانة الدول ويشكل سابقة قضائية خطيرة، كما يمكن أن يعرض موظفي الحكومة العاملين في الخارج لمخاطر"، بحسب ما تناقلاته وكالات الأنباء العالمية، يوم أمس.
تدرك الولايات المتحدة، والسعودية، على حد سواء، أنه مهما تأزمت العلاقات بين الجانبين، بسبب الاتفاق النووي الإيراني، وموقف واشنطن من طهران، ومهما تضاءلت أهمية السعودية، كأكبر مصدر للطاقة في العالم، بالنسبة لأميركا، فإن الدور الذي تلعبه السعودية في محاربة الإرهاب، يعتبر حاسما على المستوى الدولي، لا سيما مع انهيار العراق وسورية، وضعف مصر.
فالسعودية حاولت جمع الدول الإسلامية، لمحاربة الإرهاب، عندما أعلن ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ديسبمر/كانون الأول الماضي، عن تأسيس "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب". كما أن الرياض تعد أهم المانحين لبرامج الأمم المتحدة، لمحاربة الإرهاب، علاوة عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أجهزة الاستخبارات العالمية، حول الهجمات الإرهابية، ومن يقف وراءها.
لذا يؤكد مراقبون أنه لا توجد دولة في المنطقة يمكن أن تلعب دوراً أساسيا في محاربة الإرهاب، كبديل عن الدور السعودي. فمهما تأرجحت العلاقات السعودية – الأميركية، فهناك خطوط حمراء يصعب تجاوزها. ويظهر هذا جلياً أيضاً في موقف مجلس النواب الأميركي، الأسبوع الماضي، عندما رفض مشروع قانون يحظر على الولايات المتحدة، بيع الأسلحة، إلى السعودية. وأظهرت تبريرات رفض القانون، والتي تتمثل بأهمية صنع توازن عسكري سعودي – إيراني، أنه مع كل الفتور في العلاقات بين الرياض وواشنطن، إلا أن السعودية ما زالت رقماً صعباً في رؤية الولايات المتحدة إلى المنطقة.