وبانتظار قمة الخميس، لم يتوقف الطرفان عن تبادل الرسائل السياسية عن بُعد، في الوقت الذي تشهد فيه أنقرة حراكاً دولياً مكثفاً تجاهها جرّاء الهلع الذي يسود في أوروبا مجدداً من أزمة تدفق اللاجئين عبر البوابة التركية. واستقبلت العاصمة التركية أمس، وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وذلك بعد يوم من وصول المبعوث الأميركي إلى سورية جايمس جيفري إلى تركيا، والذي تطرق أمس إلى استعداد واشنطن لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية في منطقة إدلب قائلاً: "تركيا شريك في حلف شمال الأطلسي. معظم الجيش يستخدم عتاداً أميركياً. سنعمل على التأكد من أنه جاهز ويمكن استخدامه". في حين أعلن السفير الأميركي في أنقرة ديفيد ساترفيلد أن بلاده تبحث تزويد الجيش التركي بالدفاعات الجوية.
موسكو لن توقف الحرب
وفيما يتحضر بوتين وأردوغان للقائهما غداً، أكد الكرملين، أمس الثلاثاء، إمكانية عقد قمة روسية - تركية - إيرانية حول إدلب، بعد الدعوة الإيرانية لتفعيل مسار أستانة، لكنه نفى أي احتمال لقمة أوروبية مع باريس وبرلين، بعد غدٍ الجمعة. وقال الكرملين إن القمة الثلاثية لضامني أستانة ممكنة، إذا ما اتفق على توقيتها. وإزاء التصعيد في الشمال السوري، أعرب الكرملين عن أمل موسكو في "خفض مخاطر الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا في سورية إلى الحد الأدنى"، على الرغم من اقتراب جنود البلدين من بعضهم البعض في محافظة إدلب. ورداً على سؤال عن مخاطر المواجهة، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين: "نأمل أن نتمكن من خفض خطر (المواجهة المباشرة مع تركيا) إلى الحدّ الأدنى، بفضل الاتصال الوثيق بين جيشي البلدين".
بدوره، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، أن بلاده "لن تكف عن محاربة الإرهاب في إدلب من أجل حلّ أزمة الهجرة في أوروبا". وخلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الفنلندي بيكا هافيستو في هلسنكي، قال لافروف "نحن نتفهم تماماً تعقيد مشكلة المهاجرين بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لكننا لا نستطيع المساعدة في حلّ مشاكل الهجرة بوقف الحرب ضد الإرهاب"، معتبراً أن هذا الحلّ "يكمن في التنفيذ الكامل لاتفاقيات الرئيسين الروسي والتركي، التي تمّ التوصل إليها في سبتمبر/أيلول 2018، بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب". من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية إن "مزاعم ممثلي تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن تدفق ملايين اللاجئين من إدلب وتفاقم الأزمة الإنسانية هناك، لا أساس لها". ورفض رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية أوليغ غورافلوف، الاتهامات الدولية الموجهة إلى بلاده والتي تفيد بأن عملياتها الجوية في إدلب فجّرت أزمة إنسانية هناك، معتبراً أن الأرقام التركية حول أعداد اللاجئين مبالغ بها، وأن من عبروا الحدود إلى تركيا لا يتجاوزون 35 ألف مدني.
من جهته، حمّل وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب النظام السوري وروسيا "المسؤولية الأكبر عن المأساة الإنسانية في إدلب"، مضيفاً أنهم "كحلف شمال الأطلسي، يدعمون الجهود التركية الرامية لوقف إطلاق النار مجدداً في إدلب"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول".
وفي موازاة ملف اللاجئين، عقد البرلمان التركي أمس جلسة مغلقة، لبحث استهداف الجنود الأتراك في إدلب على يد قوات النظام السوري وحلفائها، مع إعلان مقتل جندي أمس فضلاً عن تعرض موقع تابع للقوات التركية في محيط ترنبة غرب سراقب والمسطومة إلى قصف صاروخي مكثف من قبل قوات النظام من دون أن تعرف حصيلة القتلى والجرحى.
سباق على سراقب
في هذه الأثناء، ظلّت مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي العنوان الأبرز للوضع الميداني، لما تشكله من أهمية استراتيجية للمُمسك بها. ويحاول الروس الذين كانوا انتزعوا أول من أمس الإثنين، سراقب من يد المعارضة السورية المسلحة، التمسك بها، فيما تتوعد الفصائل بإعادة التقدم إليها. وظلّت سراقب لأيام عدّة ميدان معارك كرّ وفر بين قوات النظام من جهة، وبين فصائل المعارضة من جهة أخرى، كونها تشكل عقدة طرق مهمة في المنطقة، حيث يلتقي عندها الطريقان الدوليان "إم 4" و"إم 5". وأوضح مصدر في فصائل المعارضة لـ"العربي الجديد"، أن سيطرة الروس على سراقب، لا تعني تحكمهم بالطرق الدولية، "كون بلدة النيرب بيدنا. نحن نرصد نارياً الطريقين الدوليين".
وتعد سراقب من أهم المواقع في محافظة إدلب، فمن دون السيطرة عليها وعلى محيطها، لن يتمكن النظام والروس من الاستفادة من الطريقين الدوليين اللذين يربطان الساحل السوري في غرب البلاد ووسطها بمدينة حلب، كبرى مدن الشمال، ومن ثم فإن كل التقدم الذي حققه النظام في الآونة الأخيرة يبقى بلا قيمة. وتعد سراقب كذلك إحدى بوابات مدينة إدلب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته. وتسعى فصائل المعارضة بدعمٍ تركي لاستعادة السيطرة عليها، أو على الأقل على محيطها، لرصد الطريقين نارياً، ولكي تبقى لاعباً رئيسياً في الصراع. ومن دون السيطرة على "إم 4" و"إم 5"، لا يستطيع الجانب التركي، وهو الضامن للفصائل المسلحة، فرض شروطه في أي تسوية محتملة مع الجانب الروسي، الضامن للنظام.
وحول سقوط سراقب، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الروسي وضع ثقله لاستعادة المدينة قبيل قمة أردوغان - بوتين، مؤكدة أن مليشيات إيرانية، وأخرى محلية مدعومة من الجانب الروسي بشكل مباشر، شاركت في اقتحام المدينة تحت غطاء ناري روسي كثيف. وأظهرت مقاطع فيديو وصور من داخل سراقب أمس مدى الدمار الذي لحق بها، فضلاً عن قيام مليشيات النظام بعملية تعفيش في المدينة التي تشرد أهلها. ورجحت مصادر مطلعة أخرى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن تحاول فصائل المعارضة السورية استرجاع مدينة سراقب في هجوم يتم التحضير له، مشيرة إلى أن هذه الفصائل تضع في حساباتها استعادة مدينة سراقب قبل القمة التركية – الروسية المرتقبة غداً.
وسبق أن ذكرت مصادر تركية مطلعة على المفاوضات بين أنقرة وموسكو أن الطرفين كانا توصلا إلى مسودة اتفاق الأسبوع الماضي، لكنه كان ينتظر موافقة القيادات العليا في البلدين من أجل حسم صيغته النهائية. وبحسب المصادر نفسها، تشمل التفاهمات وقف إطلاق نار شاملا، على أن تُترك للنظام السوري السيطرة على الطريق الدولي من حلب حتى مدينة سراقب الاستراتيجية، فيما سيكون الإشراف على بقية أقسام الطريقين الدوليين "إم 4" الذي يربط حلب باللاذقية، و"إم 5" (حلب-دمشق) عبر دوريات تركية-روسية مشتركة ونقاط مراقبة، ويتم فتح الطريقين لكل الأطراف من النظام والمعارضة. كما تضمنت مسودة الاتفاق، التفاهم على انسحاب النظام من المناطق التي تقدّم إليها على الطريقين الدوليين، ما يعني انسحابه من معرة النعمان ومحيطها، وبقاء سراقب بيد المعارضة، مع إشارة المصادر إلى إمكانية إدخال تعديلات عليه، بناء على التطورات الميدانية.
إسقاط طائرة جديدة
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية أمس، عن إسقاط طائرة حربية تابعة للنظام من طراز L-39 في ريف إدلب. وأكدت وكالة أنباء "سانا" التابعة للنظام، استهداف طائرة تابعة له من قبل القوات التركية، ما يرفع عدد الطائرات التابعة للنظام التي أسقطها الجيش التركي خلال الأيام القليلة الماضية إلى ثلاث. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان إسقاط طائرة رشاش حربية تابعة للنظام السوري عقب استهدافها بصاروخ من قبل طائرة "إف 16" تركية حلقت بالقرب من الحدود شمال جسر الشغور، مشيراً إلى أن الطائرة سقطت ضمن مناطق نفوذ النظام في القطاع الجنوبي من الريف الإدلبي. وأكدت مصادر في فصائل المعارضة أن الطائرة التي أسقطت، كانت أقلعت من مطار حماة العسكري لقصف منطقة النيرب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في محيط سراقب، مشيرة إلى مقتل أحد الطيارين، ومؤكدة أن الجثة باتت بيد الفصائل في محيط منطقة دير سنبل بريف إدلب.
وفي إطار عمليات القصف والمعارك التي تواصلت أمس، قال مصدر من "الجبهة الوطنية للتحرير"، لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي التركي قصف مواقع لقوات النظام في محور جوباس شرقي إدلب، ومحور سراقب، كما قصف بالمدفعية والصواريخ مواقع لقوات النظام في محور كفرنبل جنوب إدلب، موقعاً قتلى وجرحى في صفوفه. وأضاف المصدر أن طائرة مُسيّرة تركية دمرت دبابتين لقوات النظام على محور جوباس، رداً على قصف لهذه القوات طاول النقطة التركية في مطار تفتناز العسكري، وأسفر عن مقتل وجرح عدد من الجنود الأتراك المتمركزين في النقطة.
من جهته، أشار "المرصد السوري" إلى أن قوات النظام، وبإسناد جوي من قبل الطائرات الروسية، استعادت السيطرة على أوتوستراد دمشق – حلب الدولي بشكل كامل، عقب استعادتها لمدينة سراقب وقرى جوباس وكفربطيخ والترنبة وداديخ وشابور، عقب اشتباكات عنيفة مع الفصائل المعارضة. كما أشار إلى تراجع ملحوظ للاستهدافات الجوية من قبل الطائرات المسيرة التركية، بينما تحاول قوات النظام استعادة السيطرة على قرية آفس بريف سراقب. وأوضحت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن قرى آفس، سان، النيرب، معارة عليا، مجيرز، الصالحية، وكلها في محيط مدينة سراقب، لا تزال تحت سيطرة فصائل المعارضة.
بموازاة ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، تحييد 327 عنصراً للنظام السوري خلال الساعات الـ24 الماضية، في إدلب. وقالت الوزارة، في بيان، إن العملية في الشمال الغربي السوري، تواصلت بنجاح طوال ليل الإثنين - الثلاثاء، مضيفة أنه "خلال الساعات الـ24 الماضية، تمّ إسقاط مقاتلة وطائرة من دون طيار وتدمير ست دبابات وخمس مدفعيات ومنصتي دفاع جوي، وثلاث عربات مدرعة، وخمس عربات بيك آب، وست مركبات عسكرية ومستودع ذخيرة، وتحييد 327 عنصراً للنظام".
في الأثناء، لا تزال قوات النظام والطيران الروسي يفتكان بالمدنيين في محافظة إدلب، حيث قتل أمس أكثر من 11 مدنياً، معظمهم من الأطفال، وأصيب 15 آخرون بقصفٍ صاروخي من قبل قوات النظام، استهدف شارع الثلاثين في مدينة إدلب، وفق مصادر محلية أشارت إلى أن الحصيلة أولية.