غزنة تتحول لكتلة دمار: شظايا غزوة طالبان تصيب باكستان

17 اغسطس 2018
دمّرت المعارك الأسواق والمحال التجارية في غزنة(زكريا هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -
ماذا كان هدف حركة "طالبان" من وراء الهجوم على مدينة غزنة الأفغانية ودخولها، مخلفةً دماراً واسعاً فيها؟ سؤال يردده الأفغان وتبحثه وسائل الإعلام والأروقة السياسية في أفغانستان. ويأتي ذلك بعدما دمّرت الحركة وأضرمت النيران في أكثر من 100 مبنى كبير خلال ستة أيام من هجومها على غزنة، فضلاً عن تدمير الأسواق والمحال التجارية وإحراق مخازن القطن والبضائع التجارية المختلفة. وفي هذا الإطار، قالت البعثة الأممية في أفغانستان (يوناما)، إن المتضرّر الأول جراء الهجوم والمواجهات العنيفة التي اندلعت بين عناصر الحركة وقوات الأمن داخل المدينة، هو المواطن، إذ قتل ما بين 110 إلى 150 مدنياً، كما أحرقت المنازل والأسواق والأماكن العامة. وأكّدت البعثة في تقرير لها، أنّ المستشفيات القليلة التي كانت تعمل في المدينة كانت مليئة بالمصابين وبجثامين المدنيين وعناصر طرفي الصراع.

وفي حين ركزت الحكومة الأفغانية على الدمار الواسع الذي حلّ بغزنة لشنّ حملة إعلامية واسعة ضدّ حركة "طالبان"، ادعت الأخيرة أنّ ما حدث من دمار وإحراق للمنازل والمحال هو من صنع الحكومة وليس من صنع مسلحيها. وقالت "طالبان"، في بيان على موقعها الإلكتروني، إنّه بعد دخول مسلحيها إلى المدينة وسيطرتهم على مناطق مهمة فيها، و"انهزام" القوات الحكومية، "بدأت الحكومة المحلية بإضرام النيران في الأماكن العامة والأسواق، لكي تسيء إلى سمعة الحركة، وتقول إنّ أعداءها هم الذين قاموا بهذه الأعمال، لكي تفقد الحركة نفوذها وحاضنتها بين المواطنين".

وعلى الرغم من توضيح الحركة هذا، إلا أنّه ما زال الزعم السائد في أوساط سكّان غزنة أنّ "طالبان" ومسلحين أجانب هم السبب في ما حلّ بمدينتهم التاريخية. وفي هذا السياق، قال أحد الفارين من مدينة غزنة إلى كابول، ويدعى وزير محمد، إنّ "حركة طالبان هي التي فعلت بغزنة ما نراه، وإننا كسكّان هذه المدينة وقبائلها سنرصّ صفوفنا في وجهها". وأكّد محمد أنّ "ما حلّ بغزنة التاريخية حتى ولو افترضنا أنّه من صنع الحكومة، فإنّ السبب الأساس بما جرى هي طالبان، إذ إنها أتاحت الفرصة لذلك بعدما دخلت إلى المدينة بالقوة، وهي تعرف أنها مدينة تاريخية مكتظة بالسكان، بعدما نزح إليها المواطنون من المديريات بسبب الحرب". وبغضّ النظر عن تبادل الاتهامات بين الحكومة و"طالبان"، ثمّة حقيقة واضحة هي أنّ الحكومة ستستغلّ وضع غزنة، التي كانت تعدّ واحدة من أكبر مناطق نفوذ "طالبان"، لشنّ الحملة الإعلامية ضد الحركة، وكذلك لتنظيم صفوف القبائل في وجهها. وفي حال نجحت الحكومة في مسعاها هذا، فإنّ "طالبان" ستخسر هذه المنطقة التي كانت تهدد في أي وقت العاصمة الأفغانية كابول، وكانت الجسر الرئيس بينها وبين جنوب أفغانستان.

 


هدف "طالبان" إفشال استراتيجية الحكومة

قبل أيام عدّة أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أنّ القوات المسلحة ستترك قريباً المناطق النائية ليحلّ محلها الجيش المحلّي الذي تشكّله القبائل ويديره الجيش الأفغاني. هذه الخطة عدّها محللون أمنيون "خطيرة"، إذ إنها ستجعل الشعب والقبائل في وجه "طالبان". ومن ضمن أهداف الحركة من الهجوم على غزنة أن تثبت أنّ بإمكانها الوصول إلى القوات المسلحة داخل المدن، وهذا ما ذكره بيان "طالبان" الطويل المنشور تحت عنوان "ماذا أثبت فتح غزنة". وقال البيان: "تمّ تحرير مركز ولاية غزنة نتيجة خطة عسكرية محكمة، وذلك يثبت أن الاستراتيجية الأخيرة للمحتلين الأميركيين التي بيّنوا فيها بأنهم سيجمعون قواتهم من القرى والمناطق النائية إلى المدن ويركزون على تأمينها، قد باءت بالفشل، فتجربة غزنة أثبتت أنّ الأحزمة الدفاعية للمدن لن تصمد أمام الهجمات القاضية للإمارة الإسلامية".

لكنّ السؤال هنا، هل إثبات قوّة الدخول إلى المدن يستحقّ كلّ ما حلّ بالمدينة وتحمّل كل تلك التبعات، والتي أبرزها أن تخسر الحركة شعبيتها في مدينة كانت تعدّ من أكبر مناطق نفوذها؟ في هذا الإطار، قال الناشط الأفغاني الشهير، مجيد الله قرار، وهو من مدينة غزنة، في تسجيل مصوّر له نشر على صفحته في موقع "فيسبوك"، إنّه "كان لطالبان نفوذ في المدينة، وكانت تفعل كل ما تريد من اغتيال المدنيين ووجهاء القبائل، والهجوم الأخير فضح ذلك".

بدوره، وتعليقاً على هدف "طالبان" من الهجوم، قال الصحافي قريب الرحمن شهاب: "الفرد لا يعرف المنطق العجيب لأطراف الصراع، هل كل ما لحق بمدينة غزة التاريخية من دمار هو فقط لأجل أن تثبت طالبان أنها قادرة على الدخول إلى المدينة". ورأى شهاب أنّ "هناك حسابات استخباراتية لدول المنطقة والقوى العالمية، والشعب الأفغاني هو الذي يدفع الثمن، وهذا الثمن باهض ومستمر".

ولم يثر هجوم طالبان حفيظة المواطنين فحسب، بل إن الحركة خسرت كذلك أعداداً كبيرةً من مقاتليها. وتدّعي الحكومة أنّه خلال الأيام الستة من المعارك، قتل المئات من أنصار الحركة. ويقول مسؤول أمن غزنة، فريد مشعل، إنّ "القوات المسلحة سلّمت القبائل ولجنة الصليب الأحمر جثامين مئات القتلى لطالبان، بينهم باكستانيون ومقاتلون من الشيشان"، مؤكداً أنّه في مدرسة دينية شهيرة في مدينة غزنة باسم "مدرسة قاري عبيد الله" وحدها "ما يقرب من 500 جثة لمسلحي طالبان". كذلك يتحدّث سكان المدينة عن وجود جثامين قتلى "طالبان" والشرطة والمدنيين في شوارع غزنة وبالمئات، خلال الأيام الخمسة الأولى من المعارك.

في المقابل، تؤكّد الحكومة مقتل 170 عنصراً من رجال الشرطة والجيش ورجال القبائل الموالين لها، فضلاً عن فقدان عشرات آخرين، لا يزال مصيرهم مجهولاً. ويؤثّر كل هذا بلا شكّ على مشاعر القوات الأفغانية، ولا سيما أنهم يواجهون حرباً ضروساً ضد "طالبان".

 

أصداء حرب غزنة في باكستان

كثيراً ما تتحدث السلطات الأفغانية عن وجود مسلحين من باكستان، بل وفي بعض الأحيان أشارت إلى وجود ضباط جيش يأتون من خلال تنظيمات مسلحة إلى أفغانستان لإدارة المعارك. هذه المرة أيضاً، أعلنت السلطات المحلية في غزنة قتل العشرات من المسلحين من باكستان، لافتة إلى أنّ "طالبان" أغلقت الطريق الرئيس بين كابول وقندهار لأجل نقل جثامين هؤلاء وجرحاهم إلى مدينة كويتا الباكستانية. وأثبتت مراسم جنائز مقاتلين والإعلان عن عزائهم في باكستان دقة اتهامات السلطات الأفغانية، إذ ملأت وسائل التواصل الاجتماعي في باكستان صور هؤلاء القتلى الملقبين بـ"الشهداء الأطهار لأجل الدفاع عن الدين". كما نشرت تسجيلات مصورة يستقبل فيها المواطنون الباكستانيون جثامين هؤلاء، الذين يسمونهم بـ"شهداء أفغانستان".

وقد وصلت إلى منطقة هنجو وحدها، في شمال غرب باكستان، 11 جثة، واستقبلها المواطنون في ميدان جازو الرياضي. كما أجريت مراسم تشييع علنية في المناطق المختلفة من إقليم خيبر بختونخوا وإقليم البنجاب لهؤلاء المقاتلين، وبينهم أعضاء من جماعة "عسكر طيبة" المحظورة دولياً. وفي هذا السياق، يقول الصحافي الباكستاني شاه خالد، إنّ "126 جثة للمقاتلين الباكستانيين وصلت إلى مناطق مختلفة من إقليم خيبر بختونخوا، وهم قتلوا في غزنة".

وأثار استقبال المواطنين لجثث المقاتلين والتزام الحكومة الباكستانية الصمت الكامل حيال الأمر، حفيظة بعض السياسيين الباكستانيين، خصوصاً القوميين منهم. وفي هذا الإطار، يقول أحد الكتاب المشهورين أفراسياب ختك، وهو قيادي في حزب "عوامي" القومي البشتوني وعضو مجلس الشيوخ سابقاً: "وجهت رسالة إلى السلطات الباكستانية أطلب منها التوضيح بشأن ذهاب المقاتلين الباكستانيين إلى أفغانستان، واستقبال جثثهم بهذه الحفاوة"، مشيراً أمام وسائل الإعلام إلى أنّ "باكستان يبدو أنها تسعى لأن تكرّر تجربة الحرب مع الروس، حيث كانت ترسل المقاتلين علناً إلى الحرب ضدّها في أفغانستان". وأعطت هذه الأصداء في الشارع الباكستاني قوة متزايدة للحملة الإعلامية ضدّ حركة "طالبان"، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي.