وتبحث الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كيفية اختصار آجال الطعون والتقاضي، ومدة الحملات الانتخابية وغيرها من الآجال، حتى لا تتجاوز السقف الزمني المحدد دستورياً بتسعين يوماً.
وتفتتح غداً الجمعة فترة تقديم الترشحات لتتواصل على مدى أسبوع كامل، وفيما أعلنت بعض الشخصيات نيتها الترشح صراحة، فإن كثيراً من الغموض لا يزال يحيط بمواقف شخصيات وأحزاب أخرى.
ويتضح للجميع أن كل الحسابات السابقة لرحيل الرئيس الباجي قايد السبسي أُسقطت، ودخل الارتباك على كل الأحزاب والمرشحين، وبدت المواقف السياسية أحياناً متناقضة، لتزيد من حالة الغموض بهذا الشأن، مع أن الانتخابات ستبدأ فعلياً غداً الجمعة بتقديم الترشحات.
وفوجئ المتابعون، صباح أمس الخميس، بتلميح سريع من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أشار فيه إلى أنه "لا يفكر حالياً في الترشح للانتخابات الرئاسية". ولكن بعد هذا التصريح بسويعات يخرج الأمين العام لحزبه "تحيا تونس" سليم العزابي، ليؤكد لوكالة "تونس أفريقيا للأنباء" أن الحزب سيرشح رئيس الحكومة يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية، فيما تؤكد قيادات من حزبه أن الشاهد بدأ في جمع التزكيات البرلمانية لترشحه.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن هذه التصريحات تعكس جوّاً من التردد داخل معسكر الشاهد؛ ففي حين تدفع بعض الدوائر في حزبه لتقديم ترشحه والمضي قدماً في نفس البرنامج المسطر سابقاً، تحاول أخرى إقناعه بعدم الترشح وتأييد ترشح وزير دفاعه عبد الكريم الزبيدي بدلاً من ذلك.
أما حزبه السابق نداء تونس، فقد عقد ليلة أمس اجتماعاً لبحث موقفه من الرئاسية، وقدم في النهاية موقفاً غامضاً هو الآخر؛ ففي حين أبرز رغبته في البحث عن شخصية وطنية لا تنتمي بالضرورة لـ"النداء"، اشترط أن يكون هذا المرشح الافتراضي غير منتم إلى أي حزب على الساحة، وهي إشارة تدلّ بوضوح على وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ولكنه قد يعني أيضاً رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إذا تخلى عن حزبه. لكن النداء أضاف شرطاً آخر لنيل دعمه، وهو أن يكون الترشح بعد ذلك "باسم الحزب وحاملاً لواءه"، وهي شروط غير واقعية بالمرة، إذ إن الزبيدي مثلاً سيكون معنياً بجمع أكثر ما يمكن من دعم الأحزاب، حتى يتقدم مرشحاً توافقياً ويبقي على حياديته.
ولكن نداء تونس يبحث بوضوح عن استثمار هذا الدعم في ما بعد، بما يترتب عليه من تأثيرات على الانتخابات التشريعية الموالية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول القادم.
وتوازياً، تتخبط حركة النهضة بدورها في التردد ذاته، ولم تفصح عن موقفها حتى اللحظة، بينما من المقرر أن يجتمع مجلس شورى الحركة غداً الجمعة لتحديد اسم الشخصية التي ستدعمها خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، سواء من داخلها أو من خارجها. وفيما ألمح نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو، أمس، إلى إمكانية ترشيحه عن النهضة، فإنه أُبقي الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، بما فيها دعم ترشح عبد الكريم الزبيدي، الذي كان رئيس الحركة، راشد الغنوشي، وصفه بـ"الرجل الوطني والصديق".
ووسط كل تلك التلميحات، أكد رئيس حزب آفاق تونس ياسين بن إبراهيم صراحة دعم حزبه لترشح الزبيدي، وأوضح في حوار لإذاعة "موزاييك" اليوم، أن المواصفات التي يجب أن تتوفّر في رئيس الجمهورية القادم، هو "أن يكون رجل دولة ويملك إشعاعاً دولياً"، حسب تعبيره.
وتابع قائلاً: ''سبق أن تحدّث آفاق تونس مع عبد الكريم الزبيدي حول هذا الموضوع منذ أشهر، لكنه لم يكن مقتنعاً بالفكرة نظراً للمهامّ الموكلة إليه، لكن اليوم فتح الموضوع مجدّداً ونسبة اقتناعه بصدد التطور''. وأكد أنّ عبد الكريم الزبيدي حصل على تزكيات 15 نائباً.
وتجرى مراحل الانتخابات تحت واقع ضغط كبير، سياسي وأمني، إذ إن رحيل السبسي أعاد كل المخططات إلى نقطة البداية، وأربك المشهد بشكل كبير، وأوقع الجميع في ورطة الغموض، والخوف من أن تكون بعض القرارات غير المدروسة ذات تبعات وتداعيات كبيرة على مستقبل الأحزاب والشخصيات التي تتخذها.
وفي الوقت نفسه، يتوق التونسيون إلى أن تجري هذه الانتخابات في جوّ نزيه وتعالٍ عن الخصومات التي اعتادوها بين المتنافسين، وقد تجلى بشكل كبير أيام الحداد، ولكنهم يرغبون بإنهائها في أفضل شكل، لأنها ستؤسس نهائياً للدولة الديمقراطية وتكرّس الاحتكام إلى الصندوق، وسط مخاوف من محاولة إرباكها أمنياً.
وأكد وزير الداخلية هشام الفوراتي، اليوم الخميس، أن الوضع الأمني عموماً مستتب، ولكن اليقضة تبقى دائماً مطلوبة، مشيراً في تصريح صحافي إلى "إيقاف عدد من العناصر الإرهابية التي كانت تخطط لاستهداف اسقرار البلاد، ومن بين أهدافها مطار تونس قرطاج".
وأكد الفوراتي أن "منسوب التهديدات الإرهابية يبقى موجوداً، ولا بد من اليقظة، وذلك بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية، وخاصة على الحدود التونسية".