ويأتي اختيار عماد الطرابلسي بحسب الهيئة لأن فترة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي شهدت تغلغل عدد من أفراد أسرته وأصهاره في مفاصل الدولة، وتوظيفهم للمصالح الإدارية لأغراض شخصية، فتعددت جرائم الفساد المالي والاعتداء على المال العام لتشمل كل القطاعات.
وقال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة، خالد الكريشي، إن هذه الجلسة، جاءت لكشف بعض الحقائق التي حصلت في فترة الرئيس المخلوع بن علي، ولتحقيق المصالحة، معتبراً أن عماد الطرابلسي اعترف بضلوعه في جزء كبير من الانتهاكات، مصرحاً أنه استفاد من النظام السابق.
وأضاف الكريشي أن عماد الطرابلسي تقدم بأول طلب تحكيم ومصالحة كمرتكب انتهاك إلى هيئة الحقيقة والكرامة بتاريخ 26 يناير 2015، مشيراً إلى أنه استوفى الشروط القانونية لمطلبه يوم 14 يوليو 2016، طبقاً للفصلين 46 و47 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.
وأضاف أن عماد كطالب تحكيم ومصالحة لا يزال ينتظر إلى اليوم طلبات المكلف العام بنزاعات الدولة بوصفها متضررة.
وقال عماد الطرابلسي، في تصريحات علنية بُثت من السجن المدني بالمرناقاية، إنه استفاد من قرابته مع ليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع، مبيناً أنه انطلق في مجال الأعمال مع والده في الملابس المستعملة، وأنه في العام 1995 اختلف مع والده فقرر الانطلاق في شركة تصدير ودخول عالم الأعمال.
وأضاف أنه عمل في مجال البعث العقاري، وواجه مماطلات وصعوبات من وزير أملاك الدولة، فاتصل بعمّته ليلى التي سهلت له الانطلاق في مشروعه، مؤكداً أن علاقته بالعائلة الحاكمة أزالت العراقيل التي واجهها في البداية.
وأوضح عماد كيف كانت تسير دواليب الحكم في تونس، وكيف أن بعض الوزراء كانوا يتقرّبون من أصهار بن علي ليبقوا في مناصبهم، حتى أن أحدهم تقرّب من صخر الماطري صهر بن علي وتمت إعادته إلى منصبه رغم طرده من طرف بن علي، واستقباله لاحقاً في مكتبه، مبيناً أن بعض مستشاري الرئيس كانت لديهم وظيفة معينة كعبد الوهاب عبد الله في مجال الإعلام مثلاً.
ورداً على سؤال حول موقفهم من المصالحة مع مقربين من النظام السابق، قال القيادي بحراك "تونس الإرادة"، عماد الدايمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ المصالحة تكون مع الأشخاص الذين تورطوا في المال العام وفي النظام السابق وليست مع الذين لم تكن لديهم مخالفات، معتبراً أن المصالحة يجب أن تكون في إطار العدالة الانتقالية، أي بعد أن يتم كشف الحقيقة والانتهاكات وإعادة الحقوق للدولة، مشيراً إلى أن المرور مباشرة إلى المصالحة بحسب ما اقترحته رئاسة الجمهورية، خرقٌ للقانون وللدستور ولمبادئ العدالة الانتقالية.
واعتبر أن تبرير المصالحة الاقتصادية وتمريرها إلى مجلس نواب الشعب بحثاً عن تفوق عددي بعيداً عن مسار العدالة، هو تبييضٌ للفساد دون محاسبة المتورطين.
وأضاف أن جلسة الاستماع والعدالة الانتقالية التي تطرحها هيئة الحقيقة والكرامة هي الإطار الوحيد للنظر في المصالحة وفي الملفات التي قدمت لها، معتبراً أن المبادرة الرئاسية تخدم فئة معينة من المتنفذين.
وقال سجين سياسي سابق، يُدعى إبراهيم العوني، لـ"العربي الجديد"، إنه معني بالمصالحة بحكم تعرضه إلى التعذيب والسجن، مشيراً إلى أنه سُجن في أحداث الخبز في العام 1984 ولكنه لا يزال ينتظر الاعتذار وجبر الضرر المعنوي.
وأكد العوني أنه مع المصالحة التي تتم عبر مسار العدالة الانتقالية وكشف الحقيقة ثم المحاسبة والمصالحة، معتبراً أنه كضحية ينتظر الاعتذار الذي ترفض عديد الجهات تقديمه خاصة وزارة الداخلية، التي مارست في فترة ما قبل الثورة عديد الانتهاكات.
وأضاف أنه حُكم عليه آنذاك بـ20 عاماً أشغالاً شاقة وحُرم من أبسط الحقوق، ومع ذلك فهو مع المصالحة، ولكن طي صفحة الماضي يجب أن يكون طياً صحيحاً وليس مغشوشاً، مبيناً أنهم مع المصالحة الحقيقية التي تقوم عبر مسار العدالة الانتقالية.