العائلات تخترق البرلمان المغربي... مخاوف من توريث وتبعية

18 أكتوبر 2016
تخوّف من ألا يعود التنافس السياسي لخدمة الوطن(جلال مرشيدي/الأناضول)
+ الخط -
أفرزت تشكيلة مجلس النواب الجديد في المغرب، عقب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان من قِبل الملك محمد السادس، يوم الجمعة الماضي، أمراً لافتاً للانتباه تمثّل في تنامي ظاهرة "العائلات البرلمانية"، وهو ما سماه مراقبون بالتوريث السياسي والبرلماني في البلاد. ومن النتائج التي أسفرت عنها انتخابات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي التي شهدها المغرب، ولم تعلنها وزارة الداخلية بشكل صريح، بزوغ العديد من الأسر البرلمانية، مُشكَّلة إما من النائب وابنته أو ابنه، أو الزوج وزوجته، أو البرلماني وشقيقته، أو النائب وأخيه.
وفي هذا الصدد، من المرتقب أن يجلس تحت قبة مجلس النواب، البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، فوزي الشعبي، الذي حصل على مقعد نيابي عن مدينة القنيطرة، مع شقيقته أسماء الشعبي التي فازت باسم الحزب نفسه في مدينة أصيلة، فيما دخلت بثينة قروري البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، لتجلس إلى جانب زوجها عبدالعالي حامي الدين، الذي يشغل منصب مستشار في الغرفة الثانية من البرلمان.
الآباء والأبناء دخلوا البرلمان المغربي أيضاً، فياسين الراضي من حزب الاتحاد الدستوري سيجلس إلى جانب والده إدريس الراضي من الحزب نفسه، والمستشار في الغرفة الثانية، كما أن البرلماني الشاوي بلعسال، سيجلس إلى جانبه ابنه كريم الشاوي، والأمر نفسه بالنسبة لعادل السباعي من حزب الحركة الشعبية الذي يجاوز والده تحت قبة البرلمان. كما دخل البرلمان، العربي المحرشي ونجلته الشابة وئام، التي حصلت على مقعد برلماني باسم حزب الأصالة والمعاصرة، ولم تبلغ بعد سن الواحد والعشرين. كما سيجلس الأمين العام لحزب "الاستقلال" حمي د شباط، إلى جانب ابنه نوفل شباط، بعد أن فازا معاً في الانتخابات البرلمانية.
أحد البرلمانيين الذي فاز بمقعده ليجاور والده داخل مجلس النواب، قال في تصريح لـ"العربي الجديد": ليس هناك في القانون المغربي ما يمنع ترشح الابن والأب، أو الشقيقين، أو الزوجين معاً، معتبراً أن ذلك يدخل في حرية الترشح التي لديها موانع محددة ليس فيها الروابط العائلية. وأوضح البرلماني نفسه أن بعضهم انتقد ظاهرة "العائلات البرلمانية" من منطلق أنه لا ينبغي أن يجمع البرلمان أكثر من شخص من داخل العائلة الواحدة، معتبراً أن ذلك وصاية على حرية الترشح وحتى على حرية المواطنين في اختيار مرشحيهم، مؤكداً أن العائلات البرلمانية تمارس مهامها التشريعية بشكل عادي، ولا يوجد هناك شيء اسمه التوريث البرلماني، لأنها لا تمكث في البرلمان سوى خمسة أعوام.


من جهته، قال الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية عثمان الزياني، إن هذه المعضلة تعيد إلى الأذهان النقاش حول ما يُسمى بالتوريث السياسي والبرلماني، معتبراً أن "هذا التوجه العائلي في احتكار الوظيفة البرلمانية يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة قد تضيف إلى المؤسسة البرلمانية عراقيل كثيرة هي في غنى عنها".
وأوضح الزياني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "بروز نمط العائلة البرلمانية يمكن أن يؤول إلى تقييد وعرقلة تغيير النخب البرلمانية، فمع مرور الوقت يمكن أن تُختزل الوظيفة البرلمانية في عائلات بعينها مما سيكرس برلمان العائلة، ويتحوّل إلى بنية مغلقة غير منفتحة على المجتمع، ما سيعزز من الهوة بين البرلمان والمواطنين أكثر مما عليها الآن".
واعتبر أن "نموذج العائلة البرلمانية يغذي إنتاج الرأسمال البرلماني العائلي، وليس الرأسمال البرلماني الوطني، إذ تحضر عناصر الاحتكار والاستئثار وهيمنة معطيات العائلة والسلطة والمال والنفوذ، وتسود علاقات الترضية السياسية وتكريس التبعية للمؤسسة البرلمانية في اتخاذ القرارات التي تهم السياسات العامة".
ورأى الزياني أن "البرلمان يفقد استقلاليته، إذ يزيد من مطالب العمل وفق أجندة السلطة، وليس كمؤسسة تعبّر عن الإرادة الشعبية، ويتحول إلى مجال لتكريس وتغليب أجندة السلطة ومنطقها، وبالتالي الخضوع لاشتراطات موضوعة سلفاً لا يمكن تجاوزها، ما يعني أن سقف عمل وتدخّل البرلمان في صناعة السياسات العامة يظل محدوداً".
وشدد الخبير الدستوري على أنه "من شأن التوريث البرلماني أو وجود عائلات برلمانية بعينها أن يجعل مجال التنافس البرلماني والسياسي عائلياً بامتياز"، معتبراً أن "حالة الصراع والتنافس بين الأحزاب تتحول مع مرور الزمن إلى حالة صراع شخصي أو أسري، وبالتالي يفقد التنافس السياسي لخدمة الوطن كل مضمون حقيقي، ويصبح فارغاً لا قيمة له"، وفق تعبيره.