مع نهاية الأسبوع الماضي، أسدل رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الستار عن آخر فصول معركة الفلوجة، بعد إحكام السيطرة عليها من قبل القوات المشتركة، التي هاجمت المدينة بنحو 43 ألف عنصر، في حرب دامت لأكثر من شهر ونيّف، بلغت خلالها فاتورتها نحو 10 آلاف قتيل وجريح من الجيش والمليشيات. وقد أمر رئيس الوزراء بعلاج الجرحى في مستشفيات أوروبية وتركية وإيرانية، وتعويض القتلى منهم بمرتب تقاعدي لذويه واعتباره شهيداً. حجم الدمار داخل الفلوجة يبدو أكبر بكثير مما أعلنه وزير الدفاع، خالد العبيدي، في بيانه، يوم الأحد، والذي ذكر فيه أن "نحو 10 في المائة من الفلوجة مدمّرة، و90 في المائة منها صالحة للسكن". كما أن تصريح سلام العجمي، المتحدث باسم الحكومة المحلية للفلوجة، التي تتخذ من بغداد مقراً مؤقتاً لها، كان أكثر دقة، لاعتبار أن الدمار يبلغ نحو 30 في المائة، إلا أن الشهادات من داخل الفلوجة تُظهر عن حجم دمار كبير في كل أجزاء المدينة.
أرقام لا يمكن تخيّل حجمها إلا بعد مشاهدتها بالعين المجرّدة، من دخان متصاعد من المنازل التي تُسرق وتُحرق ووجود عشرات الضحايا في الشوارع. هذه الحالة يصفها العقيد في الجيش العراقي، سالم الفلاحي، لـ"العربي الجديد"، بأن "المدينة باتت خراباً".
ويُحمّل الفلاحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المسؤولية الأولى والأخيرة، فـ"هو من جلب هذا الخراب للمدينة" بحسب قوله. ويضيف "مدينة خرجت عن سلطة الدولة شيء طبيعي أن تتم استعادتها مهما كلف الثمن، لذلك نقول داعش سرطان ابتُلي به سنّة العراق قبل غيرهم". وحول الوضع العام في المدينة ينوّه إلى أن "هناك جثثاً لمدنيين منتشرة في الشوارع وتحت الأنقاض ولم تدفن". وحول عناصر "داعش" يكشف عن أن "كثراً منهم هربوا والأجانب منهم فجّروا أنفسهم".
من جهته، يلفت القيادي في "مجلس العشائر" المنتفضة ضد "داعش"، وهو مجلس مؤلف من نحو 40 عشيرة، الشيخ سعد العسافي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "مشهد الفلوجة بات مألوفاً في كل المدن العراقية. يدخل داعش المدينة بعد هروب الجيش أو بسبب خيانة ما. ثم يضع التنظيم قوانين جديدة يقتل بها من يعتبرهم مخالفين ويرمي من يسميهم العُصاة، بشتى الأحكام، لتمرير طريقة قتل بشعة وسط الساحات والشوارع. بالتالي يهرب السكان إلى الخيم وتتلقفهم مليشيات الحشد، فتعذبهم وتقتلهم، فيما ترفض حكومة بغداد إدخالهم إلى عاصمتهم، وتفرض عليهم شروطاً شبيهة بشروط الحصول على تأشيرة دخول لدولة ما. بعدها بأشهر قليلة يحشد الجيش والمليشيات قواتهم، فيهاجمون المدينة ويدمّرونها بالكامل وينسحب داعش منها". ويتابع العسافي قائلاً "مع الأسف هذا أسلوب قريب إلى أن يكون شبيهاً بأسلوب تسلّم وتسليم، فداعش بات أداة معروفة، لكن لصالح من تصب أعماله؟"، على حدّ قوله.
ووفقاً لإحصائيات صادرة عن مستشفى الفلوجة، فقد بلغت حصيلة الخسائر منذ سقوط المدينة بيد "داعش" نحو 13 ألف قتيل وجريح من المدنيين، سُجّل منهم نحو 10 آلاف عند السلطات الصحية، فيما نُقل الآخرين إلى المقابر من دون سجل أو قيد. ولم يتم إحصاء خسائر الحملتين السابقتين لاستعادتها خلال عام 2015 وعام 2014، فيما تُقدّر المصادر ذاتها مقتل ما لا يقلّ عن ألفي عنصر مسلح من "داعش"، بينهم أكثر من 850 عنصراً خلال معركة استعادة الفلوجة. ويقبع نحو مليون نازح من سكان الفلوجة منذ 31 شهراً خارج المدينة. يقيم غالبيتهم في الخيم ومعسكرات اللجوء، بسبب هجوم "داعش" على المدينة وهروب الجيش منها، مطلع عام 2014.
ويستخدم المسؤولون العراقيون عبارة "تصرفات فردية" و"أعمال غير مسؤولة" عن جرائم القتل المباشر والسرقة والانتهاكات، التي تنفذها مليشيات "الحشد الشعبي" في الفلوجة وغيرها. ويطالب القيادي في "جبهة الحراك الشعبي العراقي" محمد عبد الله، رئيس الوزراء، بـ"وضع حدّ لاستمرار المليشيات بتصرفاتهم". ويوضح عبد الله في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المليشيات لا تسرق وتُدمّر فقط في المدينة، بل عمدت إلى تخريب جوامع ومقابر وأطلال القصر العباسي، تمّ تدميرها مع قبر لأحد خلفاء بني العباس، شمالي الفلوجة".