صحيح أن الجزائر تكافح منذ عام 1992 المجموعات الإرهابية، وقدمت آلاف الضحايا من الشعب والجنود والأمنيين، لكنها كانت تجربة مريرة ومؤلمة وذات انعكاس عميق على المستوى الاقتصادي والشرخ الاجتماعي، وكانت أيضاً تجربة مليئة بالأخطاء السياسية والأمنية. وإذا كان من ضرورة لعرض تجربة مكافحة الإرهاب، فإنه يتوجب عرضها بكل تفاصيلها وبمسبباتها الأولى في الجزائر منذ عام 1992.
لم يعد خافياً أن الاخفاق السياسي قاد البلد إلى مربع الغموض في أدوات صناعة القرار وتداخل مؤسسات السلطة لدرجة أن عبّر دبلوماسيون أجانب (على غرار السفيرة الكندية)، عن عجزهم عن فهم سياسات البلد. كما أن الإخفاق الاقتصادي أهدر 800 مليار دولار منذ عام 1999، دون أن يحقق البلد اكتفاءه من القمح والدواء. أما الإحباط الاجتماعي فيفاقم التوترات العمالية في قطاعات الصحة والتعليم والجامعات، ويدفع بـ 250 ألف جزائري لطلب العلاج في الشقيقة تونس، وبعشرات الشباب للهجرة على قوارب الموت.
هذه الإخفاقات هي ما تدفع بالمسؤولين إلى حمل "تجربة مكافحة الإرهاب" كورقة وحيدة عند المشاركة في المحافل الدولية، إذ ليس في البلد منجز يمكن أن يكون زادهم في محافل ومؤتمرات كهذه.
تتقاسم الإنسانية تجاربها الرائدة في صناعة الحياة، وتستعرض الحكومات في المحافل الدولية تجاربها في صناعة الحياة وبناء الاقتصاديات والتطوير التنموي وتنمية الإنسان، عدا الجزائر التي يستغرق قادتها ووزراؤها في استعراض تجربة "مكافحة الإرهاب وتجارة الموت". وأكثر من ذلك أن رجالات الحكومة يشعرون بالنشوة عندما يشيد مسؤول غربي بتجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب.
الحكومة الجزائرية تريد صكاً دولياً وإقراراً عالمياً وشهادة بأنها "أستاذة" في مكافحة الإرهاب في العالم، مع أنها لم تتجاوز المرحلة "التلمذية" في تنظيم مجتمع مدني قوي وبناء مؤسسة ديمقراطية فاعلة واقتصاد قوي يحرر البلد من التبعية للنفط وتقلبات أسواقه.
والحقيقة أن الشهادة الحقة التي يجب أن تشغل لأجلها الحكومات هي في تحقيق معدلات النمو وتحويل الثروات إلى اقتصاد متحرك يوفر مناصب الشغل للشباب، ويحسن خدمات الصحة والتعليم والتنمية البشرية... عدا ذلك يصبح الأمر مجرد تلوين أوراق واستعراض لغة.