إذا كانت أميركا قد خرجت نسبياً من حالة الصدمة بفوز دونالد ترامب بالرئاسة، إلا أن معظمها لم يقوَ بعد على تقبل الأمر الواقع؛ فالصورة ملتبسة وفيها كثير من دواعي الخشية، والرئيس المنتخب يعطي إشارات متضاربة.
ويستغني ترامب في تعيينات إدارته، عن صقور من الصف الأول المكشوف ليستقدم آخرين؛ ويمدّ الجسور فجأة، مع جمهوريين معتدلين. وفي ذات الوقت يتجه لتعيين الجنرال المتقاعد، جيمس ماتيس، المعروف بـ"حربجيته"، في وزارة الدفاع.
يسمع عن أهمية الدبلوماسية من عميدها ومهندس التوازنات والصفقات، هنري كيسنجر، وفي ذات الوقت يواصل ترشيح المزيد من المتشددين لمقاعد في فريق الأمن القومي والسياسة الخارجية.
عادة المشاورات في فترة تشكيل الإدارة الجديدة، تكون مسألة روتينية. أما الآن فهي من طراز آخر غير مسبوق؛ ولها طابع "ترامبي" فريد. ويشارك فيها خليط من الموالين له ومن مجموعات من الجمهوريين المحافظين المتشددين والوسطيين المتقربين منه أو الذين يستقربهم إليه. الرموز التقليدية منهم تحاول احتواءه. وهو يسعى لاحتوائهم ليجعلهم غطاءً أو أداةً لترجمة توجهاته. وربما يتوسل الاستعانة بهم لمساعدته على تحقيق وعوده ومقارباته، التي بدأ يكتشف موانع تطبيقها بحذافيرها.
تجلّى هذا المشهد بأوضح صورته في لقاء المرشح الرئاسي الجمهوري السابق، ميت رومني، مع ترامب نهاية الأسبوع. كان الأول من أعتى خصوم الثاني، وعمل ضده بقوة في الانتخابات. وسبق أن تراشق الاثنان بأبشع عبارات التحقير والهجاء؛ لكن فجأة قضت المصلحة بالتلاقي وتجاوز القطيعة. وأوحت مصادر الرئيس المنتخب أن اللقاء كان للتشاور وأن حقيبة الخارجية مطروحة "بصورة ناشطة" على رومني، بحسب ما قال نائب الرئيس مايك بينس.
لكن الاجتماع كان، على ما بدا، بغرض أبعد. فرومني محسوب على القيادة التقليدية للحزب الجمهوري؛ وقبوله للمنصب مشروط بقبول ترامب بخط الحزب في السياسة الخارجية المختلف عن خطه في بعض الملفات، مثل التجارة الدولية والأمن النووي الدولي وغيره.
وهو ما يعني أن تكون وزارة الخارجية هي مهندس السياسة الخارجية وليس البيت الأبيض؛ أو على الأقل الشريك الفاعل في صياغتها وبما يعني تغليب الدبلوماسية فيها وليس منطق الصدام الذي يمثله مستشار الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي، الجنرال المتقاعد مايكل فلين والذي قد يأخذ خطه شحنة أخرى من التشدد لو رسى الاختيار على الجنرال المتقاعد ماتيس لوزارة الدفاع.
ترجمة ذلك، قبول ترامب بالعودة إلى أحضان الحزب وبالتالي التعاون على هذا الأساس مع قيادة الجمهوريين في الكونغرس وليس فقط مع المتشددين منهم. وكان كيسنجر قد نصح ترامب، على ما بدا من مقابلته أمس مع شبكة "سي ان ان"، باعتماد نهج دبلوماسية الحوار لأنه "في السياسة الخارجية عليك أن تبني للوصول إلى المراد" وفق ما قال، مطالباً "بإعطاء الفرصة للرئيس الجديد".
ما شهدته عطلة نهاية الأسبوع من لقاءات مع ترامب، تشي بوجود تجاذب قوي في عملية استكمال فريق السياسة الخارجية في الإدارة الجديدة. زيارة رومني لمقر الرئيس المنتخب، بعد كل التباعد والجفاء بينهما، تؤشر إلى حدة عملية الاحتواء المتبادل الجارية. وعدم صدور تعيينه، على عكس ما كان متوقعاً، يرجح استمرار لعبة الشد والجذب حول تحديد التوجهات الخارجية التي ما زالت ملتبسة بالنسبة لترامب.
فترامب لا يستعين بمعلومات وزارة الخارجية عن آخر تطورات الملفات الدولية، وعقد اجتماعات مع مسؤولين أجانب من دون الاطلاع عليها. وما أثار الدهشة أنه وسط الانشغال بتشكيل الإدارة، اجتمع مع ثلاثة من رجال الأعمال الهنود المشارك معهم في مشاريع ببلادهم.
كما اصطحب ترامب معه ابنته الكبرى، ايفانكا، إلى الاجتماع مع رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي الذي قام بزيارته الأسبوع الماضي.
ويتردد أن صهره، جاريد كوشنر، يستعد لتولي دور في فريق البيت الأبيض. خلط الرئاسة بعالم أعماله وأيضاً بالعائلة، أثار الدهشة والتوجس وبما ضاعف الخشية من رئاسته قبل أن يتسلم مهامه.