وتتمثل أبرز ملامح مشروع القانون في تحديد مدة لا تتجاوز 4 أشهر، يقوم خلالها المحافظ بالبتّ في أي طلب للحصول على ترخيص بناء كنيسة، على أن يُطبق على الكنائس نفس ما يسري على باقي المباني من قواعد في شأن الارتفاعات والترميمات والتوسعات، دون تدخل من الأجهزة الأمنية.
وفي السابق، كان بناء الكنائس وترميمها يخضع لقرارات الأجهزة الأمنية، دون سقف زمني للبت في طلب البناء.
وجاء في نص الرسالة التي قُدمت للسيسي، "أما وقد وافق مجلس النواب على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس المعيب الذي لم يعرض للحوار المجتمعي ولم يتح للنواب مناقشته بعمق، فلم يبق لنا إلا أن نتوجه لسيادتكم لاستخدام السلطة المخولة لكم بمقتضى المادة (123) من الدستور والتي تنص على أنه: لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها. وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يوماً من إبلاغ المجلس إياه".
وأوضحت الرسالة أن "الهدف من هذا القانون كان أن يحقق استحقاقاً دستورياً، ويكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية طبقاً للمادة (235) من الدستور، إلا أنه ابتعد عن مبتغاه".
وفنّدت الرسالة الاعتراضات على مشروع القانون، مشيرة إلى أنه في "(المواد 3 – 5) تنفرد الكنائس وحدها دون باقي المباني بطلب موافقة المحافظ، كما لا توجد ضوابط واضحة في هذا القانون تحدد أسباب القبول أو الرفض، ولم يتعرض المشرع لحال عدم رد المحافظ المختص على الطلب، ولم ينص على أنها تعتبر موافقة ضمنية كما في الأعراف القانونية".
كما أن (مادة 2 إصدار، ومادة 6) الخاصتين بتطبيق أحكام قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008، المطبق في المدن فقط، مما يمنع إقامة الكنائس خارج المدن، و"كان من الأوجب معاملة الكنائس المغلقة وكذلك التي تقام بالقرى والنجوع والتوابع معاملة الأبنية العامة المستثناة من هذا القانون"، بحسب الرسالة.
كما أخذ النشطاء والحقوقيون على المادة 1 الخاصة بالتعريفات، "الاستغراق في التفاصيل التي لا طائل منها، والتي غاب عنها المضمون القانوني، واستعمال عبارات مطاطية مبهمة غير محددة قانوناً".
فيما تربط المادة 2 من القانون، بين مساحة الكنيسة المراد بناؤها وبين عدد مواطني المنطقة المسيحيين وحاجتهم، وهو ما يمثل "قيداً مزدوجاً على بناء الكنائس".
وبشأن المادة 3 التي تتحدث عن "الموافقات المتطلبة قانوناً"، اعتبر الحقوقيون أنها "لم توضح ماهية الموافقات المتطلبة قانوناً التي يتقدم الممثل القانوني للطائفة بطلب الحصول عليها، وما هي الجهات التي سيتم الرجوع إليها".
وأوجبت المادة 4 في القانون، على المواطنين المسيحيين أن يسلكوا في حالة طلب الحصول على ترخيص للهدم وإعادة البناء والترميم نفس الطريق الواجب سلوكه في حالة بناء كنيسة جديدة.
وهو ما اعتبره المعترضون "تقييداً لحق ممارسة الشعائر الدينية، ويهدر أحكام القضاء المصري، وأهمها حكم الدائرة الأولى للقضاء الإداري في الدعوى رقم 7635 لسنة 10 قضائية بتاريخ 26 فبراير/ شباط 2013، والذي يخص سلطة إصدار تراخيص هدم الكنائس القائمة وإعادة بنائها.
فقد ألغى الحكم قراراً جمهورياً بتفويض المحافظين في إصدار تراخيص هدم الكنائس القائمة وإعادة بنائها، وقال الحكم إن هذه التراخيص ليست من صلاحيات رئيس الجمهورية لكي يفوَّض المحافظين فيها، وأضاف الحكم أن الكنيسة تخضع لنوعين من الترخيص، الأول هو ترخيص بالنشاط الديني، والثاني خاص بقواعد البناء مثل أي مبنى عادي. وأكد الحكم أنه بحصول الكنيسة على ترخيص رئيس الجمهورية بالنشاط فلا تحتاج إليه مرة ثانية عند إعادة البناء أو الترميم أو التوسيع".
كما اعترض الموقعون على الرسالة، على المادة 5 التي تحدد كيفية تعامل المحافظ مع الطلبات المقدمة، حيث لم تذكر الإجراءات التالية في حالة رفض الطلب أو امتناع المسؤول عن الرد وهل في هذه الحالة يعتبر الامتناع موافقة ضمنية على الطلب أم لا.
كما اعترضوا على المواد، الثامنة والتاسعة والعاشرة التي تناولت تقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية وبيوت الخلوة المستخدمة فعلياً في الصلاة وتقديم الخدمات الدينية للمسيحيين، ولكنها مقامة بدون تراخيص رسمية.
وقال المعترضون في رسالتهم إن القانون بصياغته الحالية، هو "إعادة إنتاج للأمر الواقع والخاضع لهيمنة نصوص قانونية بالية تنتمي للقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مثل الخط الهمايوني وشروط العزبي باشا، بما يتضمناه من شروط قاسية ومعوقات أمام بناء الكنائس".
من جانبه، أصدر مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات، منظمة مجتمع مدني مصرية، مجدي خليل، ورقة موقف تجاه القانون والطاعنين على عدم دستوريته، معلناً أنه لا يوافق المتفائلون ممن يمنّون أنفسهم بأن الطعن على عدم دستورية قانون بناء وترميم الكنائس يمكن أن يأتي بنتيجة تؤدى إلى إلغاء القانون.
وأوضح خليل أسبابه في أن "هناك جدلاً دستورياً معتبراً لا يمكن تجاهله يكمن في أن القانون صدر لاستيفاء متطلبات دستورية تمثلت في المادة 235 من الدستور الحالي، معتبرة أن صدور القانون هو إجراء ضروري مكمل للاستحقاق الدستوري، ومن ثم فإن هناك مشروعية دستورية يمكن الارتكان إليها في إثبات دستورية القانون".
كما أوضح خليل أن هناك من يطعن على دستوريته باعتباره قانوناً تمييزياً يخالف عدة مواد تتكلم عن المساواة في الحقوق والواجبات وكذلك في حرية العقيدة.
وأشار إلى أن هؤلاء نسوا "أن هناك مادة حاكمة متصدرة الدستور منذ عقود وهي المادة الثانية والتي تتحدث عن الإسلام وعن الشريعة كمصدر رئيسي للتشريع، وأن مداولات صياغة هذه المادة جاء فيها أنه على المشرع أن يبحث في الشريعة أولاً نصاً أو قياساً قبل أن يلتجأ إلى مصادر أخرى، ومن ثم فإن هذه المادة تعطي مشروعية دستورية للتمييز بين الأديان وبين المواطنين".
وتابع خليل "إذا تم النظر إلى هذا القانون من منظور النظام العام فإن هذا القانون بالتأكيد دستوري، حيث إن كلاً من النظام العام والمجال العام في مصر إسلاميان"، كما أنه "لا يمكن الطعن على دستورية القانون إلا بعد تفعيله على أرض الواقع، ووجود مشاكل واضحة أثناء تطبيقه، وحيث إن توفيق أوضاع الكنائس لا ينظر إليه إلا بعد سنة من الآن، فإنه عملياً قد يستغرق الموضوع عدة سنوات قبل الطعن على عدم دستوريته"، على حد قوله.
واستطرد خليل "يتوجب قبل التحويل للمحكمة الدستورية أن تقرر المحكمة أن القانون غير دستوري بناء على نزاع أمامها، ومن ثم يحتاج الموضوع إلى وجود قاضٍ ليبرالي وعادل ومستقل وشجاع يحيل هذا الموضوع إلى المحكمة الدستورية"، متسائلاً "أين هو هذا القاضي؟، وهل يجرؤ على أن يزايد على الدولة والكنيسة معاً وكلتاهما سعيدتان بهذا القانون".
وبشأن من يطعن على القانون من زاوية رفض تيار كبير من المجتمع القبطي له، قال خليل "هذا الأمر مردود عليه بأنه لا يوجد قياس، حتى الآن، لرفض الشارع القبطي له، وما يمكن قياسه يثبت العكس، فلم يتحدث في الجلسة العامة في البرلمان التي ناقشت مشروع القانون سوى اثنين من النواب الأقباط وقالا كلاماً باهتاً ضعيفاً، في حين أن 34 نائباً قبطياً التزموا الصمت عند التصويت على القانون، مما يعني موافقة كاسحة من النواب الأقباط على القانون، علاوة على موافقة الكنائس الثلاث على القانون.
كما تطرق للحديث عن "هوية مصر" مركبة أم إسلامية، قائلاً "من المؤسف أن معظم الناس في مصر بمن فيهم قضاة المحكمة الدستورية العليا يميلون للرأي القائل بإسلامية الهوية المصرية، وحيث إنهم بشر وليسوا ملائكة فإنهم بناء على هذه القناعات لا يرون غضاضة في صدور قانون لبناء الكنائس حتى ولو كان هذا الموضوع مخالفاً لمواد دستورية أخرى".
وأنهى خليل تقييمه للموقف قائلاً "يمكن الحكم في الطعن بعدم الدستورية في حالة واحدة فقط وهي رغبة الدولة في التخلص من القانون لسبب أو لآخر، وقتها ستسخر كل شيء للحكم بعدم دستوريته".