دور مصر والإمارات السلبي
ولفت الكواري إلى الدورين الإماراتي والمصري السلبيين والمعطلين، اللذين قامت بهما أبوظبي والقاهرة لعرقلة ترشيحه، قبل اندلاع الأزمة الخليجية وحصار قطر في يونيو/حزيران 2017، وفي هذا السياق تبرز محاولة اتحاد الكتّاب والأدباء العرب الذي تسيطر عليه الدولتان، عقد اجتماع والتصويت لجعل المرشحة المصرية، مشيرة خطاب، مرشحة للعرب، على الرغم من أن اجتماع وزراء التربية العرب في تونس في 17 مايو/أيار 2016 في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الإليسكو" صوّت لاختيار الكواري مرشحاً عربياً لذلك المنصب الدولي، وكانت حصيلة الاقتراع تصويت معظم الدول العربية لصالحه، عدا مصر ولبنان، فيما تحفّظت الجزائر.
وكان الكواري قد أعلن في شهر مارس/آذار 2016 ترشحه رسمياً، ونال ترشحه إجماع دول مجلس التعاون الخليجي، كما صرح بذلك نائب الأمين العام للجامعة العربية الراحل أحمد بن حلي. وكان أول من ترشح عربياً للموقع وقبل جميع المرشحين العرب بنحو عام ونصف العام. ووفق كتاب الكواري، لم تنجح محاولة الإمارات بدفع اللبناني غسان سلامة للترشح إلى "يونسكو"، لعرقلة المرشح القطري، إذ كان سلامة يرغب أن ترشحه دولته لبنان، التي رشحت فيرا خوري بدلاً منه.
التواصل مع مصر
اللافت ما كشفه كتاب الكواري عن تواصل قطري مع الحكومة المصرية، لدعمه كمرشح عن العرب. وفي هذا الصدد قال الكواري، "كانت الأمور تسير باتجاه الموافقة على المرشح العربي ووصلتني رسالة غير مباشرة من وزير مصري عبر القائم بالأعمال المصري في الدوحة، أن هناك جهداً كبيراً في الدولة لإقناع الحكومة المصرية بدعم المرشح القطري الذي درس في مصر، وأطلق حملته قبل سنة، وكانت أجواء التفاؤل سائدة، إذ أبلغه وكيل الوزارة عن نجاح مساعيه، إلا أن وزارة الخارجية المصرية دفعت باتجاه ترشيح مصري لليونسكو على خلاف رأي وزارة التعليم"، وجرى سحب الملف من التعليم وانتقل إلى وزارة الخارجية المصرية، وتم سحب مندوب مصر لدى "يونسكو" محمد سامح عمرو، وتعيين السفير إيهاب بدوي بدلاً عنه.
الصوت السوداني الفارق
وفي معرض عرضه لمواقف الدول العربية وخصوصاً أعضاء المكتب التنفيذي لـ"يونسكو"، الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم 58 عضواً، كشف الكواري عن العديد من المفاجآت، منها أن سلطنة عمان كانت تفكر بدفع مرشح لها، إلا أن وزير الثقافة العماني هيثم بن طارق آل سعيد، أخبر الكواري أنها عدلت عن ذلك، وطالما أنه تقدّم بالترشيح فإنه مرشح سلطنة عمان كذلك، فيما تعرضت السلطنة لضغوط شديدة من دول الحصار للتراجع عن موقفها، الأمر الذي رفضته. أما المفاجأة الأبرز، فكانت تحوّل الموقف السوداني من المرشح القطري، والتصويت ضده في الجولة الخامسة والأخيرة، إذ دعمت الخرطوم المرشح القطري في الدورات الأربع، وقبل الدورة الأخيرة أعلن المندوب السوداني في "يونسكو" وسفيرها في باريس، نصر الدين والي، في اجتماع المجموعة الأفريقية، أن السودان غيّر موقفه ولن يصوّت لقطر بهدف التأثير على المجموعة الأفريقية. وأبلغ المندوب السوداني، المرشح القطري اعتذاره وتأثره، مبرراً الموقف بأن السودان يتعرض لضغوط سياسية واقتصادية من قبل دول الحصار لا يمكن مقاومتها. وقال الكواري في كتابه بهذا الشأن، إن صوت الخرطوم شكّل خسارة كبيرة لأن المرشح القطري خسر الانتخابات بفارق صوت واحد فقط.
وكانت قطر وفق كتاب "ظلم ذوي القربى"، قد ساندت السودان للحصول على مقعد في المكتب التنفيذي لـ"يونسكو"، وقامت بترميم التراث السوداني، "الآثار السودانية"، إذ موّلت "متاحف قطر" ضمن 42 بعثة تنتمي لـ25 مؤسسة من 13 دولة أعمال الكشف والتنقيب والترميم في المواقع التراثية السودانية، والحفاظ عليها. وتلقّت الدوحة عدة رسائل دعم مكتوبة تأييداً للمرشح القطري، فضلاً عن إعلان الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، مساندة مرشح قطر في مؤتمر صحافي في القاهرة، وكان المندوب السوداني يكرر ذلك في الاجتماعات مع وزير الخارجية المصري سامح شكري.
انقلاب موقف هولاند
ومن المفاجآت الأخرى التي تحدث عنها كتاب الكواري، انقلاب الموقف الفرنسي تجاه ترشيحه، فبعد الدعم والالتزام الذي حصل عليه من الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا هولاند في شهر مايو/أيار 2015 خلال زيارته إلى قطر وتأكيده دعم فرنسا غير المشروط للمرشح القطري، غيّر هولاند موقفه بعد زيارة قام بها إلى الإمارات التي وصل إليها في 2 ديسمبر/كانون الأول 2016، لزيارة متحف اللوفر أبوظبي قبل افتتاحه، وكان من ضمن الوفد المرافق له وزيرة الثقافة أودري أزولاي والتي رشحها بعد فترة وجيزة لمنصب المدير العام لـ"يونسكو". وأدى ترشح أزولاي إلى تغيير قواعد اللعبة.
وأدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عشية الجولة الخامسة والحاسمة من الانتخابات يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 2017، دوراً سلبياً في التأثير على الانتخابات، وفرص الكواري، إذ أعلنا ان الولايات المتحدة وإسرائيل ستنسحبان من "يونسكو"، وفُهم موقف ترامب على أنه لإضعاف فرص المرشح القطري. وفاز المرشح القطري بأصوات كل دول أميركا الوسطى والكاريبي، باستثناء نيكاراغوا التي غيّرت موقفها جهاراً بعد الضغوط الشديدة التي تعرضت لها من مصر، ما جعلها تعلن رسمياً أنها ستصوّت إلى جانب مرشحة مصر على الرغم من تلقي الحكومة القطرية رسالتين خطيتين رسميتين تؤكدان دعم الكواري.
كما تراجعت دولة أخرى لم يكشف الكواري هويتها، كانت تدعم ترشيحه بثبات، لكنها غيّرت موقفها وقالت إنها ستصوّت لمصر ثم فرنسا، بعد أن موّلت إحدى دول الحصار مشروعاً استثمارياً فيها بقيمة 6 ملايين دولار. فيما كانت الدولة الآسيوية الوحيدة التي أعلنت أنها لن تصوّت للكواري هي الهند، بعد أن عقدت صفقة مع مصر، تقوم على تصويت الأخيرة لصالحها في إحدى المنظمات الدولية مقابل تصويت الهند لصالح مصر في "يونسكو". ولم يُخفِ المرشح القطري خيبته من الموقف اللبناني تجاهه، إذ كان لبنان قد وعد الكواري بالتصويت له إذا فشلت المرشحة اللبنانية، وهو ما نقله للكواري وزير الثقافة اللبناني آنذاك ريمون عريجي. ورأى الكواري في هذا الصدد، أن "تغيّر الموقف اللبناني تجاه دعمه، تم بسبب الضغط السعودي على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري"، مضيفاً "أن الموقف اللبناني يظل عندي غامضاً".
وصوّتت العديد من الدول الأفريقية لصالح الكواري أيضاً، على الرغم من أن وزير الخارجية المصري سامح شكري كان يجتمع مع سفراء المجموعة الأفريقية ويتطاول عليهم بعبارات غير دبلوماسية بعد أن اتضح أن الدول الأفريقية تصوّت لصالح قطر في جولات الانتخابات.
ويروي الكتاب قصة انفجار شكري الذي حضر إلى باريس قبل أسبوعين من الانتخابات، صارخاً ومتهجماً بصوت عالٍ أمام الصحافيين، على السفير الكيني جورج جوديا، الذي رد عليه قائلاً "لستُ موظفاً في الخارجية المصرية ونحن أعرف بمصالح قارتنا ولن نغيّر موقفنا بالقوة أو بالضغوط، إن كان لديك ما تقوله فليكن مع الخارجية الكينية". وصوّتت كل من قطر وسلطنة عمان والجزائر إلى جانب الكواري، فيما صوّتت 4 دول عربية للمرشحة الفرنسية، ضده، في الجولة الخامسة الحاسمة، وهي المغرب، ومصر، ولبنان، والسودان الذي كان صوته فارقاً، كما لبنان، في الجولة الأخيرة، وتسبّب بخسارة المرشح القطري.