ينحدر اليمن إلى واحدة من أسوأ الأزمات المعيشية والاقتصادية في تاريخه الحديث، حتى بات مهدداً بالمجاعة. صور الأهالي، نساء وشيوخ وأطفال، الذين تحولوا إلى ما يشبه الهياكل العظمية في عدد من المحافظات نتيجة سوء التغذية تعد الأوضح تعبيراً عن حجم المعاناة ولا تحتاج إلى أي شرح. بعضهم لم يستطع الصمود أكثر فاستسلم للموت بلا حول ولا قوة. وبعضهم الآخر ينتظر دوره، فيما عادت الأمراض والأوبئة لتنتشر، ليس أقلها وباء الكوليرا.
تظهر الأرقام التي تصدرها منظمات دولية حجم الكارثة الإنسانية. مع نهاية عام 2015 أشار الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن 80 في المائة من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدات. وقبل فترة وجيزة قال إن "أربعة من كل خمسة يمنيين يحتاجون إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، أي أكثر من 21 مليون شخص". وإذا ما طالت الحرب أكثر لن يتأخر بان أو خلفه في الإعلان أن جميع اليمنيين هم في حاجة إلى مساعدات لمنع موتهم جوعاً.
بعد 19 شهراً على الحرب، بمختلف ظروفها ومراحلها، الخاسر الوحيد من الحرب واستمرارها هو الشعب. سياسيوه وعسكريوه منشغلون في تسجيل النقاط بعضهم ضد بعض فيما موائدهم عامرة طوال اليوم يستطيعون تناول ما يريدون من أطعمة. أما الشعب فلا يجد ما يسد به رمقه. لا تغذية متوفرة ولا فرص عمل ولا مصادر رزق وحتى من كان منهم يعتمد على راتبه في القطاع الحكومي ها هو اليوم يصرخ بعدما أصبح الراتب ضحية قرار الشرعية بنقل المصرف المركزي من صنعاء إلى عدن، في خطوة تعتقد الشرعية أنها تعاقب من خلالها تحالف الانقلاب بينما في الحقيقة تعاقب شعبها، بعدما أراحت تحالف الانقلاب من مسؤولية توفير الرواتب ولم تكلف نفسها عناء تحمّل هذه المسؤولية، متناسية أن دورة اقتصادية كاملة في اليمن تعتمد على هذا المدخول الذي ينتقل من جيب الموظف البسيط ويتوزع بين إيجارات سكنية ومصاريف تدفع للبقالة ولبائع الخضار ولسائق سيارة الأجرة.
وضع كهذا قد يمكن الاستمرار فيه لأسابيع قليلة بعد لكنه لن يدوم. طوفان الغضب لن يوفر أحداً مهما ارتفع منصبه أو كثر سلاحه أو بعُد مقر إقامته. وإن كان هذا الشعب، الذي لم يتردد في التضحية منذ 2011، عاماً تلو الآخر، أملاً في حياة أفضل، لا ينتظر أو يعول على أحد، لا حوثيين ولا مؤتمريين ولا حتى مسؤولي الشرعية بعدما اختبرهم جميعاً وخلص إلى تخاذلهم، فإن المساعدة الوحيدة التي يستحقها هي وقف الحرب بشكل عاجل والسماح له بمحاولة استعادة جزء من حياته.