أعاد نجاح باريس بالجمع بين رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، فائز السراج، واللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في لقاء مباشر أفضى إلى تفاهمات سياسية وأمنية تخص وضع الجيش والمليشيات وتنظيم الانتخابات، فتح النقاش حول أمرين: مآلات اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر/ كانون الأول 2015 بين فرقاء الأزمة الليبية، والدور المتبقي لدول الجوار، الجزائر وتونس ومصر، ومبادراتهم.
وكشف دبلوماسي جزائري، لـ"العربي الجديد"، أن السراج سيزور الجزائر خلال الأيام القليلة المقبلة للقاء المسؤولين الجزائريين، وإطلاعهم على تفاصيل تفاهمات باريس بينه وبين حفتر، وأفق تطوير هذه التفاهمات وتنفيذها على الأرض، وكيفية مساهمة دول الجوار، خصوصاً الجزائر، في ذلك، كجزء من مساعي حل الأزمة الليبية. وأوضح أن "السراج سيجتمع في الجزائر مع رئيس الحكومة، عبد المجيد تبون، ووزير الخارجية، عبد القادر مساهل، لبحث مساهمة الجزائر في آفاق تفاهمات باريس والتعديلات الممكنة على اتفاق الصخيرات، إضافة إلى التطورات الميدانية". ونفى الدبلوماسي أن تكون الجزائر قد فوجئت بلقاء باريس، مؤكداً أن "مسؤولين ليبيين في المجلس الرئاسي الليبي أبلغوا الجزائر بلقاء السراج وحفتر قبل حصوله في باريس، باعتبار أن للجزائر ثقلاً سياسياً مهماً، وهي لاعب بارز في أدوات الحل الإقليمي للأزمة الليبية". وتوقع قيام المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، غسان سلامة، بزيارة الجزائر.
وكانت الجزائر بذلت جهوداً كبيرة لعقد لقاء مشترك بين السراج وحفتر على أراضيها، لكنها أخفقت في ذلك. وقبل أسبوع حاول الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، خلال اجتماعه مع وفد ليبي بقيادة رئيس مجلس الدولة، عبد الرحمن السويحلي، إقناع حفتر، في اتصال هاتفي، بالحضور إلى تونس، لكن حفتر لم تقنعه مبادرة تونس، التي بدأت مساعيها منذ ديسمبر 2016. وكانت تونس أطلقت مبادرة سياسية مشتركة مع الجزائر ومصر لحل الأزمة الليبية، توجت مبدئياً بعقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث، على أساس أن تعقد لاحقاً قمة رئاسية ثلاثية بين رؤساء تونس، الباجي قائد السبسي، والجزائر عبد العزيز بوتفليقة، ومصر عبد الفتاح السيسي، تخصص لحل الأزمة الليبية، خصوصاً مع وجود تقارير وتحاليل سياسية كانت تشير إلى خلافات وتباين مواقف بين الجزائر، التي تدعم حكومة السراج المعترف بها دولياً وتدفع باتجاه إشراك حكومة الإنقاذ في طرابلس في أي مسعى لحل الأزمة، وبين مصر، التي تدعم حفتر، وترفض في الوقت ذاته إشراك حكومة طرابلس، ما أحدث شرخاً واضحاً في جدار الثقة بين الأطراف الإقليمية، انعكس على مواقف أطراف الأزمة من دول الجوار ومبادراتها. وفي السياق، يشير المتابع للشؤون الليبية، خليل كلاعي، إلى أن هناك أزمة ثقة جدية تحول دون تطبيق دول جوار ليبيا لحل سياسي، على أساس أن "حفتر مثلاً لا يثق بالجزائر، والجزائريون لا يثقون بالمصريين، حلفاء حفتر في المقابل"، وهو ما أعطب المبادرات الإقليمية لصالح الدور الفرنسي الجديد. وعن سبب نجاح باريس في ما أخفقت فيه دول الجوار، يقول كلاعي إن سبب نجاح فرنسا بعقد لقاء بين حفتر والسراج في مقابل إخفاق الجزائر وتونس ومصر بالجمع بين الرجلين لوضع إطار لحل الأزمة، يعود إلى طبيعة علاقة حفتر بدول الجوار. ويضيف "في اللقاء السابق بين حفتر والسراج كانت الوساطة إماراتية. وما يمكن استنتاجه أن حفتر لا يقبل بالاجتماع مع خصومه السياسيين إلا بوساطة الدول التي تدعمه بشكل مطلق، على عكس تلك التي تقف على الحياد بينه وبين خصومه، كتونس والجزائر، والتي لم تنجح وساطاتها في الذهاب بعيداً".
وأدى إخفاق المبادرات السياسية لدول المنطقة، إلى بروز مسعى فرنسي واضح لاستعادة دورها في مجمل القضايا الإقليمية، وبينها ليبيا، عبر المبادرة إلى جمع السراج، بصفته رئيس الحكومة السياسية الشرعية المعترف بها دولياً، وحفتر، الذي يمسك بمقاليد الوضع العسكري في بنغازي وكامل منطقة الشرق الليبي. وإذ تبحث باريس عن تجاوز إخفاق الدول الإقليمية في حل الأزمة والحد من تداعياتها الأمنية، إلا أنها تبحث أيضاً عن لعب دور لصالح أوروبا عبر تكريس مؤسسات شرعية في ليبيا تساهم بالحد من قوافل المهاجرين السريين الذين يتدفقون على السواحل الأوروبية. ويعتبر المحلل السياسي نصر الدين بن حديد أن هدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليس حل الأزمة الليبية بشكل كامل لكن التموضع، إذ إن "هناك أطرافاً دولية تملك دوراً أكبر على الساحة الليبية، أقصد الأميركيين". ولا يتوقف تحليل النجاح السياسي الفرنسي في بناء تفاهمات جديدة تمثل الأساس لحل الأزمة الليبية عند حدود الدور الفرنسي وعامل الثقة، لكنه يرتبط أيضاً بكون باريس تمثل ضامناً أكبر لتطبيق تنفيذ أية تفاهمات بين أطراف الأزمة الليبية مقارنة مع دول الجوار. كما أن باريس تملك أوراق ضغط، سياسية وميدانية وعسكرية، مقارنة بالجزائر وتونس ومصر، التي لا تملك أية أوراق للضغط يمكن توظيفها في دفع الأطراف الليبية إلى القبول بالتوافقات الممكنة، ناهيك عن أن باريس قد تمثل في هذا المسعى وكيلاً أوروبياً ودولياً يمكنه تحسين وضع ليبيا وموقفها على صعيد المؤسسات الدولية، مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرها، وتضمن إضفاء شرعية دولية على أي منجز يتأسس على تفاهمات باريس، فيما لا تملك دول الجوار غير أداء دور مساعد في حل الأزمة.