في بدايات فترته الرئاسية الأولى، حمل الرئيس الأميركي باراك أوباما في إحدى إجازاته كتاب المعلّق الأميركي من أصول هندية، فريد زكريا، الذي يحمل عنوان "عالم ما بعد أميركا"، الصادر عام 2008. الكتاب يعرض أفكاراً رئيسية شديدة الوضوح بأنّ على الولايات المتحدة أن تتعاون مع القوى العالمية الصاعدة، لا سيما الصين والهند، من أجل الأمن العالمي. الأمر الذي يشمل قوى صاعدة أخرى، مثل جنوب أفريقيا، والبرازيل، وروسيا بكل تأكيد، إذ تقوم هذه الدول ببناء طموحاتها السياسية بناءً على نجاحاتها الاقتصادية.
الآن، ومع قرب نهاية الولاية الرئاسية الثانية لأوباما، يبدو أنّه كان مؤمناً بأفكار زكريا، بصورة أو أخرى. من جهتنا كعرب، على سبيل المثال، كان الاهتمام الأميركي في مناطق الصراعات "المزمنة" في العراق وسورية في حدّه الأدنى، ولا تتم مقاربته أميركياً إلا في ما يخصها، أي محاربة الإرهاب. أمّا الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي فيكاد يحظى بصفر في المائة من الاهتمام في أجندة الرئيس الأميركي، ما دامت إسرائيل آمنة. وبعيداً عن كون سياسات أوباما جاءت نتيجة لظروف موضوعية، ومنها أزمة 2008 الاقتصادية الأميركية، والتي جعلت اهتمامه ينصب على ترتيب البيت الداخلي الأميركي، أو نتيجة لقناعته، فعلاً، بأهمية التعاون مع القوى الصاعدة دولياً، إلا أن سياساته تؤكد أن أميركا سارت في طريق التأقلم مع عالم جديد يتضمن قوى صاعدة طموحة.
في هذا السياق، يطرح أحد المعلّقين الأميركيين فكرة جريئة مفادها أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، دونالد ترامب قد يسير على خطى أوباما في هذه النقطة بالذات. فترامب يبشر بسياسات "انعزالية" تشبه تلك التي كانت منتشرة في الولايات المتحدة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، قبل الهجوم الياباني على "بيرل هاربر" والذي قلب المعايير الأميركية، وحوّلها إلى طرف رئيسي في الحرب. شعارات ترامب التي تلهب جماهيريته المثيرة للجدل، ناتجة عن هذا المزاج الأميركي بالذات، والذي بات يرى أن "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" يبدأ بالالتفات إلى أميركا وتجاهل ما يحدث في العالم. لكن هل تبدو هذه السياسات واردة في حسابات رجل أعمال نيويوركي؟