رحبت المعارضة البرلمانية برسالة المجلس الأعلى للقضاء، التي طلب فيها من البرلمان التونسي تأجيل النظر في قانون المصالحة إلى آجال معقولة، حتى ينتهي من إعداد موقفه منه.
وأعطى المجلس الأعلى للقضاء مساحة زمنية أوسع أمام رافضي قانون المصالحة، ليضع الائتلاف الحاكم، مرة أخرى، في موقف لا يحسد عليه؛ فبعد الإعلان عن موعد المصادقة على مبادرة رئيس الجمهورية الوحيدة التي قدمها منذ ما يزيد على السنتين، أعاد مجلس القضاء مشروع القانون إلى المربع الأول.
وقال النائب منجي الحرباوي، عضو مكتب المجلس التشريعي، ومساعد رئيس البرلمان المكلف بالإعلام، لـ"العربي الجديد"، إن مكتب المجلس أقر عرض قانون المصالحة، الذي يعتبر مطلب مئات التونسيين من المظلومين والإداريين الذين ينتظرون رد اعتبارهم، إلى جلسة يوم غد الجمعة 28 يوليو/تموز.
واحترامًا للقانون وللمؤسسات الدستورية التي انبثقت من رحم البرلمان، وفي إطار توسيع الاستشارة، راسلت السلطة التشريعية، المجلس الأعلى للقضاء طلبًا لرأيها الاستشاري حول مشروع قانون المصالحة في المجال الإداري، وحددت موعد يوم 28 يوليو/تموز كآخر أجل للإجابة والرد.
واعتبرت المعارضة البرلمانية الرافضة لمشروع قانون المصالحة أن هذا الرد القادم من المجلس الأعلى للقضاء رسالة مطمئنة وإيجابية، مفادها أن هذه المؤسسة الدستورية ستتمعن في أحكام وبنود هذا القانون، وستفحص مدى دستوريته، قبل إفادة البرلمان بردها.
وأكد رئيس كتلة "الجبهة الشعبية" في البرلمان أحمد الصديق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نواب المعارضة سيطعنون في دستورية مشروع قانون المصالحة في المجال الإداري في صورة المصادقة عليه، مؤكدًا أن هذا القانون يتنافى مع قواعد الشفافية والمساءلة، ويمس من مبادئ العدالة الانتقالية ويقوض مسارها.
وأضاف أن هناك خرقًا واضحًا لأحكام الدستور، ولمسار العدالة الانتقالية بالعفو عن الموظفين وأشباه الموظفين الذين كرسوا الفساد لسنوات متتالية، دون الكشف عن الحقيقة، وجبر الضرر الذي لحق بالمجموعة الوطنية، ويعد تسترًا على جرائم الإضرار بالصالح العام.
كما بيّن رئيس كتلة "الجبهة الشعبية" أن "رئاسة الجمهورية تغير عناوين وتسمية القانون وتتلاعب به بغاية تمريره، ولكن المحتوى لم يتغير والأهداف لم تتغير"، مشيرًا إلى أن هذا القانون سيضع في الخانة نفسها "الفاسدين، وناهبي المال العام، والمتورطين في الفساد المالي والإداري، مع الموظفين الشرفاء والنزهاء الذين رفضوا الانصهار في منظومة الفساد، وناضلوا من أجل استقلالية الإدارة وحيادها، فلا يمكن أن نضع هذا القانون إلا في خانة السقوط الأخلاقي وتبييض الفساد وحماية المفسدين عبر سن قوانين تحميهم وتشرع للإفلات من المحاسبة والعقاب"، حسب تعبيره.
واضطر البرلمان إلى تأجيل النظر في قانون المصالحة خلال العطلة البرلمانية، وتحتاج برمجته في دورة استثنائية ثلاثة حلول لا رابع لها؛ فإما أن يطلب ذلك رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، أو أن يطلبه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أو أن يكون الطلب من ثلث أعضاء البرلمان، أي 73 عضوًا، وهو أمر ممكن للائتلاف الحاكم الذي يضم أغلبية مريحة.
وقرر مكتب البرلمان، اليوم، الاجتماع للنظر في إمكانية عقد دورة استثنائية، والتي من المرجح أن تكون نهاية شهر أغسطس/آب القادم، أو في مستهل شهر أيلول/سبتمبر المقبل، على أقصى تقدير.
وفي سياق متصل، دعا الائتلاف المدني "منيش مسامح" (لن أصالح) المواطنين إلى الالتحاق بالوقفة الاحتجاجية أمام مقر البرلمان، يوم غد، للتنديد بقانون المصالحة، ومطالبة البرلمانيين برفضه وإسقاطه، وللضغط على السلطة التشريعية بهدف عدم تمريره.