واستمرت المشاورات على مدى ثلاثة أسابيع تقريباً، اختلفت خلالها آراء الأحزاب والمنظمات التي مضت على وثيقة قرطاج، بين الدعوة إلى تعديل جزئي وتعديل واسع يشمل عدداً من الوزارات، بهدف تحريكها أكثر وإضافة مزيد من الجدوى على أدائها، عشية الشروع في إعداد موازنة العام القادم التي ينتظر أن تشهد اتخاذ قرارات صعبة، بالنظر إلى وضع المالية العمومية، وإلى الوضع الاقتصادي الصعب على الرغم من تحسن بعض المؤشرات.
وقال رئيس الحكومة أمس، إنه أكد للأحزاب المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية والمنظمات الوطنية الموقعة على وثيقة قرطاج التي قام بالتشاور معها، أن حكومة الوحدة الوطنية "ستكون في الفترة القادمة بمثابة حكومة حرب، وستواصل خوض نفس المعارك بالحرب على الإرهاب والفساد والحرب من أجل التنمية ضد البطالة والتفاوت الجهوي".
وبحسب مراقبين، فإن هذه العناوين البارزة لحكومة الشاهد ترجمها وجود شخصيات قوية في التشكيل الجديد، الدفاع والداخلية والمالية بالخصوص، بالإضافة إلى الشخصيات السياسية الثقيلة الموجودة في الحكومة الأولى، التنمية والاستثمار والفلاحة والعدل، والوزراء المستشارين في ديوان رئاسة الحكومة، ما يجعل من هذه الحكومة الثانية حكومة سياسية بامتياز، تمثلها أحزاب وشخصيات سياسية، بالإضافة إلى تمتع أغلبها بالكفاءة في اختصاصات مختلفة، ما يجعلها نظريا جاهزة لمرحلة جديدة تحتاج حضورا قويا وخطابا سياسيا مقنعا.
ولكن اللافت في هذا التشكيل هو محافظته على نفس التوازنات السياسية تقريبا، بل ودعمها أكثر من خلال ترضية حزبي النداء والنهضة أساسا، والمحافظة على وجود آفاق تونس والمسار اليساري والجمهوري، ما يمكنها من أغلبية مريحة في البرلمان، وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك حضورا لحزب مشروع تونس أيضا من خلال كاتبي دولة، ولكن دون التصريح بذلك.
وتدعّم حضور النداء بوزارات جديدة، المالية والصحة وعدد من كتابات الدولة، فيما حافظت النهضة على حقائبها الثلاث، بل ودعمت من خلال تعيين توفيق الراجحي وزيرا لدى رئيس الحكومة، مكلفا بمتابعة الإصلاحات الكبرى، بعد أن كان مستشارا اقتصاديا له.
وشهدت النهضة قفزة نوعين في الحقائب المسندة إليها، حيث تحول عماد الحمامي من وزارة التكوين المهني إلى وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، بينما تولى زياد العذاري حقيبة التنمية والاستثمار بعد وزارة الصناعة والتجارة، وحافظ أنور معروف على حقيبة تكنولوجيا الاتصال.
ويبدو أن آفاق تونس لم يكن راضيا على إبعاد وزيرة الصحة سميرة مرعي، خصوصا أن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، نفسه، كرمها في عيد المرأة الأخير وكان يفترض أن تبقى في مكانها، برغم أن آفاق تونس حافظ على حقيبتين كما في التشكيل السابق.
ويبدو من خلال توزيع الحقائب أن الشاهد قد حافظ على نفس التوازنات، بينما كان كثيرون يدعون إلى حكومة كفاءات والابتعاد عن المحاصصة الحزبية، مثل حزب المشروع واتحاد الشغل، ولكن هذا الخيار مستبعد جدا وغير متاح عمليا في ظل نظام برلماني يقوم على الأحزاب أساسا، وينتظر دعما برلمانيا وشجاعة في المصادقة على قرارات صعبة.
ولئن كان منتظرا أن يغادر وزير الداخلية، الهادي مجدوب، بعد مطالبة النداء بذلك بالخصوص، فإن الشاهد تمسك بوزير العدل، غازي الجريبي، وأبعد وزير النقل الندائيّ أنيس غديرة، ويبدو أن اتحاد الشغل يريد أيضا تغييرا في الوزارات ذات الطابع الاجتماعي مثل النقل والصحة.
أمنيا، تحول آمر الحرس الوطني "الدرك"، لطفي براهم، إلى وزارة الداخلية، سعيا من الشاهد إلى الإبقاء على نفس النسق في الحرب على الإرهاب، خصوصا أن النجاحات الكبرى التي تحققت في الآونة الأخيرة جاءت على أيدي مؤسسة الحرس، في حين فاجأت عودة عبد الكريم الزبيدي إلى وزارة الدفاع أكثر من متابع، بسبب عدم رغبته المعروفة في تقلد المسؤوليات، ولكن يبدو أن إبعاد فرحات الحرشاني من هذه الحقيبة جاء نتيجة لما وصفه مصدر حزبي لـ"العربي الجديد" بعدم إمساكه جيدا بالملفات الكبرى.
غير أن أسئلة كثيرة تبقى رهينة نتائج عمل هذه الحكومة، وخصوصا قدرتها على النجاح في الحروب المعلنة على الفساد والإرهاب والتفاوت الجهوي، في ظل وضع اقتصادي منذر بمرحلة صعبة للغاية.
وشكّكت المعارضة التونسية في الأمر، بحيث اعتبر مهدي جمعة، رئيس الحكومة الأسبق، أن "الغباء هو تكرار فعل نفس الشيء عدة مرات وتوقع نتائج مختلفة". وشككت بقية أطياف المعارضة أيضا في قدرة هذا التشكيل على إحداث تغيير حقيقي في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، ما يدفع إلى الاستنتاج بأن المشهد السياسي باق على ما هو عليه بين نفس المكونات وبنفس المواقف، في انتظار أن تفرز الانتخابات البلدية تغييرا في الوضع، إذا تم إجراؤها في موعدها نهاية هذا العام.