بعد تفاقم فضائح التحرش الجنسي في ويستمنستر، اجتمع قادة الأحزاب البريطانية في مقر البرلمان لطرح اقتراحاتهم حول الوسيلة الفضلى لمعالجة الأمر. وضمت هذه الاقتراحات إجراءات تظلم مستقلة، ورفع دعم الموارد البشرية، إضافة إلى تشكيل مجموعة عمل لتطبيق هذه التغييرات.
وقالت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بعد الاجتماع، إن هذا اللقاء كان خطوة إلى الأمام، حيث تم الاتفاق فيه على تطوير خطوط المساعدة الهاتفية المتوفرة حالياً، إضافة إلى تأسيس خدمة شخصية للطواقم العاملة مع النواب البرلمانيين مع نهاية هذا الشهر.
واعتبرت أن "من الضروري التحقيق في هذه الادعاءات بشكل حيادي، وبعضها قد تم نقله إلى الشرطة"، مضيفةً "أعتقد إن لم تتعرض لهذا الأمر شخصياً، سيصعب عليك فهم تأثيره. يمتلك هذا الأمر تأثيراً مديداً على الأفراد، ويجب علينا فعل المزيد لوقف سوء استعمال السلطة".
وتابعت ماي "أشعر بالأسف أننا رأينا سوء استخدام السلطة بهذه الطريقة، هناك العديد من الحالات على مدى سنين طويلة. إن حدوثها في مركز ديمقراطيتنا يجب أن يجلب العار لنا جميعاً".
وتأتي هذه الخطوة في خضم تصاعد حدة الاتهامات ضد أعضاء البرلمان البريطاني، حيث يواجه برلمانيون من حزبي "المحافظين" و"الأحرار الديمقراطيين" اتهامات بالاغتصاب موجّهة من قبل زميلاتهم في الحزب، وأن هذه الحوادث قد جرى تجاهلها عمداً مسبقاً.
ويجري حزبا "العمال" و"المحافظين" تحقيقات داخلية في تصرفات بعض من أعضاء الحزب، ومنهم برلمانيون ومسؤولون سابقون. وهو ما دفع إلى استقالة وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، الأسبوع الماضي. كما كانت ناشطة من حزب "المحافظين" قد صرّحت يوم الإثنين، على شاشة "بي بي سي"، بأنها تعرضت للاغتصاب من قبل مسؤول حزبي كبير، طلب منها التزام الصمت.
كذلك، يتابع حزب "العمال" التحقيق في تعرض الناشطة الحزبية بيكس بيلي، للاغتصاب في مناسبة حزبية عام 2011. بينما قام حزب "الديمقراطيين الأحرار" بتحويل إحدى حوادث الاغتصاب إلى الشرطة للتحقيق فيها.
وتعود جذور المشكلة هذه إلى طبيعة بيئة العمل في ويستمنستر؛ فالبرلمانيون يعملون بشكل مستقل عن موظفي البرلمان ذاته، وهم من يقومون بتوظيف طواقمهم، وبالتالي فإن العاملين في طواقم النواب البرلمانيين، لا يخضعون لقوانين التوظيف في البرلمان.
وهكذا يواجه هؤلاء وضعاً لا يوجد فيه قسم موارد بشرية مستقل، ولا إجراءات تظلّم ملائمة، ولا عقوبات حقيقية ضد من يتجاوز الحدود. فالعديد ممن أرادوا الشكوى سابقاً قيل لهم أنه لا يمكن عمل أي شيء لمساعدتهم.
وبالفعل، فإن طبيعة توظيف النواب البرلمانيين لطواقمهم تفسح المجال لأنواع مختلفة من الاستغلال الجنسي أو غيره، وإن كان ذلك لا يأتي إلا من قبل أقلية من البرلمانيين.
ولكن فضائح التحرش الجنسي هذه، وبعكس فضائح نفقات البرلمانيين السابقة، لم يتم توثيقها بالشكل الملائم، رغم أنها لم تكن تخفى على أحد. القيادات الحزبية كانت على علم بهذه الاتهامات، وغالباً ما تجنبت الحديث عنها أو التعامل معها، أو حتى حاولت استخدام تلك الفضائح كأوراق ضغط على البرلمانيين في حال حاولوا التمرد على سياسات الحزب.
وقد رفض المتحدث باسم تيريزا ماي نفي معرفة رئيسة الوزراء بالاتهامات ضد نواب حزبها، وربما تجاهلتها عمداً.
أما جيريمي كوربن، فقد أقر نهاية الأسبوع الماضي بعلمه بانتشار التحرش في ويستمنستر. والسؤال هنا، لماذا لم يتطرق إلى هذه المشكلة سابقاً؟ وهو النائب في البرلمان على مدى 34 عاماً، ولماذا قام بترقية النائب كيلفن هوبكينز عام 2015 إلى وزير في حكومة الظل، رغم الاتهامات التي وجهت إليه بالتحرش الجنسي؟
وتكمن الإجابة على هذا السؤال في الاهتمام الشعبي، فمنذ انتشار فضائح هارفي وينستين الجنسية في هوليوود عبر الأطلسي، ازداد اهتمام الرأي العام البريطاني بمتابعة هذه القضية.
ويضاف إلى ذلك، أيضاً، عامل أشد أهمية، ألا وهو شجاعة السيدات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي هذا، وقدرتهن على نقل قصصهن إلى العلن.