بعد ساعات على تنفيذ الضربة العسكرية الثلاثية في سورية، بدأ الحديث عنها يخبو في واشنطن على اعتبار أنها لم تكن سوى استعراض، اقتضته حاجة محلية ودفع بها "حزب الحرب" في الإدارة وخارجها، على حد تعبير باتريك بوكانن، أحد أبرز رموز المحافظين التقليديين المناوئين لأي شكل من أشكال الحروب في الخارج. ولولا الجدل حول تصنيفها من قِبل الرئيس دونالد ترامب في خانة "المهمة المنجزة" التي سبق واستخدمها في غير محلها الرئيس جورج بوش الابن في بداية حرب العراق، لكانت حصتها من الأضواء أقل مما نالته.
وإلى جانب الجدل الذي أحدثته الضربة الثلاثية، برز التراشق العنيف بين البيت الأبيض ومدير جهاز "أف بي أي" السابق، جيمس كومي، على خلفية كتابه، الذي يصدر اليوم الثلاثاء، والذي يعرض فيه قصته مع ترامب والتي انتهت بإقالته في مايو/أيار الماضي 2017.
في مقابلة مساء الأحد مع شبكة "أي بي سي"، عرض كومي موجزاً لكتابه الذي يصف الرئيس ترامب بأنه "لا يصلح أخلاقياً" للرئاسة، وأنه يملك ميولاً "مافياوية" ومصاب "بمرض الكذب".
وروى كومي كيف أنّ الرئيس حاول إقفال ملف مستشاره السابق الجنرال مايك فلين، أبرز الشخصيات التي تطاولها التحقيقات الروسية. وهذا أكثر ما يثير حساسية البيت الأبيض الذي يزعم كومي أنه "ربما" حاول تضليل العدالة في هذه القضية. لغة جارحة رد عليها ترامب بسلسلة تغريدات نعت فيها خصمه كومي بـ"الكذاب" و"المزيف" الذي كان "يسرب" المعلومات ضد الرئيس وبما جعله "أسوأ مدير لهذا الجهاز في تاريخه"، معرباً عن اعتزازه بقرار طرده من منصبه.
Twitter Post
|
وثمة من يقول إنّ خطورة هذه المواجهة تنبع من أنّها تدور بين مصارعين من الوزن الثقيل؛ الأول رئيس يملك صلاحيات واسعة، والثاني مدير جهاز يملك معلومات حساسة وخطيرة.
كومي خرج من المقابلة حسب التقديرات، بنقاط في الجانب السردي للوقائع المعروفة ولو أنه لم يأت بجديد منها، لكن لكونه مصدراً "موثوقاً" في معلوماته، وكما يقول الخبير الرئاسي المخضرم دافيد غيرغن، فقد سجل وقائع محرجة.
لكنه في المقابل بدا لبعض المراقبين وكأنه استعجل الرد لتسجيل مكاسب شخصية. بدا أكثر سلبية، بعجزه عن تبرير قراره بإعادة فتح التحقيق في ملف الرسائل الإلكترونية لوزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون قبل 11 يوماً من انتخابات الرئاسة، كشف عن خلل في تقديراته وأحكامه المفترض أن تكون دقيقة وحكيمة في تلك اللحظة الانتخابية. وهناك توجيه معمول به في أميركا، يقضي بعدم القيام بأي خطوة خلال الشهرين الأخيرين من الحملة الانتخابية، يمكن أن تؤثر أو تنطوي على احتمال التأثير على عملية التصويت ومناخاته.
الاعتقاد الذي ساد يومذاك وما زال، هو أن قرار كومي حينها بفتح ملف بريد كلينتون، ساهم في فوز ترامب أو تسبب به. خطأ لا يزال يطارده، والمفارقة أن من ساعده على الفوز هو نفسه الذي أطاح به وخلعه من منصبه وبصورة مهينة، أي ترامب نفسه.
السياسة في الولايات المتحدة الأميركية لعبة قاسية، لكن لها ضوابط ومنظمة بأحكام القانون والأصول المرعية، لكنها في السنوات الأخيرة، صارت شبه متفلتة من أية ضوابط. هبط خطابها بدرجات حادة ومتسارعة، وما تكشفه هذه المبارزة الثأرية اليوم بين مسؤول أمني كان يرأس جهازاً بحجم 36 ألف عنصر ويعرف كل تفاصيل البلاد وبين سيد البيت الأبيض، يثير الخشية لدى دوائر كثيرة في واشنطن. فثمة تخوف متزايد من عواقب وصول الأمور إلى حرب "نشر الغسيل".