تضغط أحزاب من اليسار ويسار الوسط في الدنمارك من أجل إلزام كوبنهاغن بتطبيق طلب وزارة الخارجية التوقف عن توريد أسلحة ومعدات تجسس إلى السعودية والإمارات، فيما تبرر الجهات الأمنية عدم القيام بهذا الأمر حالياً بالخسائر المالية التي ستلحق بشركات التصدير.
وبحسب معلومات خاصة بـ"العربي الجديد" في كوبنهاغن، من مصدرين برلماني وسياسي - أمني، فإن استمرار تصدير معدات حساسة وأسلحة إلى الرياض وأبوظبي بات يثير غضباً، رغم طلب وزارة الخارجية منع التصدير منذ نهاية العام الماضي. ومع انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، على خلفية الانتخابات البرلمانية التي جرت في 5 يونيو/ حزيران الماضي، يُصر، وفقاً للمصدرين، معسكر أحزاب اليسار واليسار الوسط على ما يسميه "وقفاً شاملاً وتاماً وفورياً لتوريد السلاح، وأي تقنيات أخرى تساعد سلطات الرياض وأبوظبي في حربهما باليمن أو قمع المعارضة داخلياً".
وتكشف مصادر "العربي الجديد" أنه "رغم القرار الذي اتخذه وزير الخارجية (السابق) أندرس سامويلسون، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتجميد تصدير معدات عسكرية وأسلحة إلى السعودية، على خلفية قتل الصحافي جمال خاشقجي واستمرار استهداف اليمنيين، فإن هناك تقارير تؤكد تصدير شركات دنماركية لمعدات إلى السعودية والإمارات". ويأتي غضب اليسار الدنماركي على خلفية "منح موافقة أمنية للتصدير، بحسب وثيقة جرى الاطلاع عليها في منتصف يونيو/ حزيران الماضي". وعن ذلك، تكشف المصادر في كوبنهاغن أن "الأجهزة الأمنية، بكل أسف، لم توقف الصفقة المتفق عليها قبل تجميد التصدير، رغم التوجه العام بوقف مد البلدين (السعودية والإمارات) بأي سلاح نتيجة انخراطهما الكبير في الحرب باليمن".
وأشارت المصادر إلى أن لجنة الشؤون الخارجية والأمنية في البرلمان الدنماركي استمعت، في مارس/ آذار الماضي، إلى رسالة يبرر فيها جهاز الأمن الدنماركي عدم منع مواصلة توريد الأسلحة. وتعتمد وثيقة التبرير، بحسب ما اطلعت عليه "العربي الجديد"، على ما تلقته الأجهزة الأمنية من "معلومات من مؤسسة الصناعات الدنماركية عن خسائر مالية قد تلحق بشركات التصدير المُلزمة باتفاقيات سابقة للقرار، ما يعني أن العقود المخصصة للإمارات والسعودية سارية حتى الآن". وتحوي الوثيقة الأمنية مبررات حول قوانين تصدير معدات عسكرية وأسلحة، وأن تدخلها لمنع التصدير "سيعتبر تدخلاً في شؤون شركات الإنتاج، طالما أن الخارجية لم تطلب ذلك".
المقلق، وفق المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، ما جاء خلال نقاشات داخلية في بعض اللجان ومن ممثلي ومقرري بعض الأحزاب اليسارية في لجنة الخارجية والأمن، في 17 يونيو/ حزيران الماضي، من أنه يجري تبرير موضوع مواصلة تزويد الرياض وأبوظبي بالسلاح "بالبيروقراطية الأمنية، بل ويمكن أن يستمر ذلك حتى يتم الانتهاء من تطبيق التراخيص السابقة (قبل قرار التجميد في نوفمبر الماضي) في يناير/ كانون الثاني أو فبراير/ شباط 2020".
وبالرغم من أن مصادر "العربي الجديد" امتنعت عن تحديد طبيعة المواد العسكرية التي يتواصل تزويد الإمارات والسعودية بها، إلا أنه ومن السجالات التي سبقت قرار التجميد فإن الموضوع يدور حول تقنيات تجسس وتحديد أهداف ومعدات عسكرية ساهمت، في الإمارات تحديداً، بملاحقة معارضين واستخدمت في الحرب اليمنية. وأشارت المصادر إلى أن "حالة عدم رضا، تصل حد الغضب، لدى خارجية الدنمارك (بزعامة رئيس حزب الائتلاف الليبرالي، الذي لم يستطع حتى استعادة مقعده البرلماني، وزير الخارجية الحالي أندرس سامويلسون)، بسبب استمرار الموافقات الأمنية للشركات، رغم أنه طالب في فترة مبكرة من بداية العام الحالي أن يوقف الجهاز الأمني منح موافقات تصدير لعقود أبرمت سابقاً".
ويستعيد اليوم اليسار الدنماركي "إصراره على أن تكون أولى مهمات الحكومة الجديدة الوقف التام، وبمفعول رجعي، لكل الصادرات العسكرية وكل التقنيات الحساسة إلى الرياض وأبوظبي، استناداً إلى تقارير من الأمم المتحدة توضح مدى الانتهاكات التي تجري من البلدين". وقال مصدر على علاقة وثيقة بلجنة الأمن والخارجية، لـ"العربي الجديد"، إن "ما وضع سابقاً على الطاولة هو تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصادر في أغسطس/ آب 2018، والذي يحمل العاصمتين (الرياض وأبوظبي) مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان، التي تصل حد ارتكاب جرائم حرب، مع توصية التقرير للمجتمع الدولي بعدم تصدير الأسلحة المستخدمة في الصراع الجاري" في اليمن. ويعترف برلماني دنماركي، من حزب يساري، بأن سامويلسون "اتخذ موقفاً إيجابياً بداية العام الحالي، وذلك على ضوء قضية جمال خاشقجي واقتناع غربي عام بوجود صلة بين قتله وولي العهد محمد بن سلمان، لتقييم وقف تصدير معدات عسكرية إلى الحليفين في الحرب، الإمارات والسعودية، بحسب رسالة وُجهت للجهاز الأمني الدنماركي في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، مستنداً بذلك الطلب إلى موقف المجلس الوزاري الأوروبي الذي اتفق على توصية بتشديد تطبيق قانون الموافقة على تصدير معدات عسكرية، وتحديداً إلى هذين البلدين".
وعن كشف استمرار التصدير، يبدي المستشار القانوني في منظمة العفو الدولية - فرع الدنمارك، كلاوس يوول، استغرابه من أن "يستمر الجهاز الأمني، وبشكل أحادي، بإعطاء موافقة تصدير"، ويقول "إذا كانت هناك مسببات للاعتقاد بأن الإمارات والسعودية تستخدمان تلك الأدوات لارتكاب جرائم حرب، والتي يبدو أن وزارة الخارجية الدنماركية تؤمن بحصولها، فإننا سنحتاج إلى موقف واضح من جانب الدنمارك. من المؤسف أن يذهب جهاز أمني لقراءة رخص التصدير من منطلق ما يمكن أن تربحه أو تخسره الشركات الدنماركية المصدرة للمعدات، رغم أن الشرطة تعرف أنه يحق لها قانوناً سحب التراخيص السابقة أيضاً".
موقف أحزاب اليسار لفرض منع فوري للتصدير بعد تشكيل الحكومة الجديدة ولجنة الأمن والخارجية الجديدة، يؤكده لـ"العربي الجديد"، ممثلان عن "اللائحة الموحدة". ويقول القيادي في حزب "اللائحة الموحدة" اليساري هانس يورغن، إنه سيجري "على الفور، وبمجرد الانتهاء من المناصب (الحكومية)، سد كل الثغرات ووقف كل الاتفاقيات السابقة. فنحن نتحدث هنا عن استهداف مدنيين وأطفال (في حرب اليمن) يجري قصفهم، مثلما نتحدث عن بشر يجري اعتقالهم وتعريضهم للتعذيب". ويشير إلى أمثلة كثيرة في ما خص المعتقلين في السعودية والإمارات والتهديد بإعدام معتقلين لأسباب يقول عنها إنها مدعاة للسخرية وتستحق موقفاً غربياً واضحاً حيال ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد". ويؤكد عضو البرلمان الأوروبي عن "اللائحة الموحدة" نيكولاي فيلموسن، لـ"العربي الجديد"، أن هذه القضية "لن تبقى أبداً كما كانت في السابق، ولن يجري القبول بمقايضة عقود بحقوق الإنسان، وسنرفع صوتنا عالياً بعد تقرير كالامارد"، في إشارة إلى تقرير محققة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي، أغنيس كالامارد، عن اغتيال خاشقجي أخيراً.