يرى المناهضون لسياسات واشنطن الخارجية أن هذه الاحتجاجات فرصة لرد الانتقادات التي طاولتهم لانتهاك حقوق الإنسان، أو حمل السلاح خارج الدولة، أو استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين. هؤلاء يضخمون تداعيات هذا الحراك الاجتماعي، لتبرير شعارات أفول المشروع الأميركي في المنطقة، وسقوط دوره كنموذج للتعددية الديمقراطية. في المقابل، شعر المؤيدون لأميركا بالصدمة، حين تعهد الرئيس دونالد ترامب بقمع المتظاهرين، وبالتالي هذه المثالية الأميركية في بال هؤلاء تعرضت للاهتزاز.
لكن حجم التظاهرات الكبير، ودور الجيش في فرملة اندفاعة ترامب، أعادا الروح لمناصري أميركا، على قاعدة أن مبادئها لا تزال أفضل من المشاريع المنافسة لها في المنطقة، وبالتالي تفادى هؤلاء السيناريو الأسوأ، أي مصير يسار عربي لم يتجاوز حتى اليوم تجربة الاتحاد السوفييتي. غالبية العرب على ضفتي هذا الرأي ينضحون في مكان ما بالعنصرية، أو الفوقية تجاه الآخرين. لكن تقييمهم للاحتجاجات الأميركية يستند قبل أي شيء آخر إلى مواقف مسبقة من سياسات واشنطن الخارجية، وإلى إسقاطات من التجارب العربية على الواقع الأميركي.
وتعكس قضية فلويد عدم فهم عربي للسياسة الأميركية، بأبعادها الداخلية والخارجية المترابطة، ما كرّس رهانات خاطئة عليها في التاريخ العربي الحديث. هذه الصورة عن أميركا المنقذ أو "الشيطان الأكبر"، شعلة الحرية أو الإمبريالية، تعكس مشاعر متناقضة عن تجربة أميركية لم تصبح بعد "اتحاداً أكثر مثالية" كما جاء في دستورها. لا بد من فكّ الارتباط بين مواقف عربية مسبقة من الصراع على الشرق الأوسط وهذا الحدث الداخلي الأميركي. الصدى العالمي لقتل فلويد تذكير بأن أميركا أكبر من ترامب بحضورها في مخيلة الآخرين. هوس العرب بهذه القضية مشروع، لكن تجاهل مأساتهم اليومية المشابهة تأكيد لاعتبار أنفسهم أمام كل حدث خارجي، مجرد مشجعين لمنتخبات أجنبية تلعب على أرضهم.