شهدت الجلسة الثانية المخصصة لانتفاضة الحوض المنجمي والمعروضة على الدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في مدينة قفصة بتونس، اليوم الأربعاء، انسحاب الشهود والضحايا احتجاجا على غياب الجلادين المنسوبة إليهم تهم التعذيب في الجلسات، وللتنديد بانحراف مسار العدالة الانتقالية.
وتعود انتفاضة الحوض المنجمي إلى عام 2008 في مدينة قفصة بالجنوب التونسي وشملت مدن الرديف والمتلوي وأم العرائس والمظيلة، وواجهت قمعا شديدا من قبل نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهي الثانية منذ وصوله إلى الحكم في1987 بعد أحداث الخبز.
وقال أحد الضحايا المفوضين وكاتب عام الفرع الجهوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في قفصة، بشير العبيدي لـ"العربي الجديد" إن "مقاطعة الجلادين لجلسة اليوم كانت بناء على تحريضات سابقة وبتشجيع من الأجهزة الأمنية ومن السلطة التنفيذية، ولذلك قرر الشهود وضحايا انتفاضة الحوض المنجمي الانسحاب للتنديد بعدم حضور أي من المتهمين والمنسوبة إليهم تهم التعذيب في الجلسات"، مؤكدا أنه رغم إصرارهم على حضور المتهمين وتقديم المحامين لطلب ينص على ذلك إلا أن هؤلاء واصلوا تجاهلهم المحكمة وهو ما يعتبر ضربا لشروط المحاكمة وانحرافا بمسار العدالة الانتقالية.
وأوضح العبيدي أن ما يحصل هو محاولة للالتفاف على مسار العدالة الانتقالية ولذلك تم تحميل المحكمة مسؤولية جلب المنسوب إليهم الانتهاك، مشيرا إلى أن الضحايا كافة انسحبوا من الجلسة إلى حين اتضاح الجدية في جلب الجلادين وكشف الحقيقة.
وأفاد المتحدث أن مسار العدالة الانتقالية سيؤدي إلى المصالحة، ولكن ذلك لا يكون إلا بعد كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة ومرتكبي الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وبعد جبر الضرر ورد الاعتبار للضحايا، مشيرا إلى أنهم ثمنوا في العديد من المناسبات التمسك بمسار العدالة الانتقالية وكذلك موقف رئيس المجلس الأعلى للقضاء خلال حضوره في الجلسة الختامية لهيئة الحقيقة والكرامة باعتباره مسارا دستوريا تلتزم به السلطات التنفيذية والتشريعية.
وبين أن جلسات الانتهاك المعروضة على الدائرة المتخصصة بمحكمة قفصة لن تنظر في ملفات ضحايا الحوض المنجمي ولن تصدر أحكاما لفائدتهم، بل هي جلسات للاستماع إلى الشهود والنظر في انتهاكات الأجهزة الأمنية ومسؤولي الدولة في انتفاضة الحوض المنجمي، مبينا أن هيئة الحقيقة والكرامة نظرت في الملفات وقد تكون أصدرت قراراتها بخصوص الضحايا وبالتالي هم اليوم لا ينتظرون أحكاما لجبر الضرر أو الحكم لفائدتهم بل كشف الحقيقة.
وقال العبيدي إن الدوائر المتخصصة ستنظر في الانتهاكات الجسيمة التي طاولت حقوق الإنسان، وتتضمن الجلسات استماعا للضحايا والمتهمين، وهم اليوم شهود على الأحداث التي وقعت.
وقاطع لسان الدفاع الجلسة الثانية للدائرة القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية للاستماع لضحايا أحداث الحوض المنجمي لسنة 2008، معتبرا في تصريح إعلامي أن هناك غياب إرادة جدية في السير الطبيعي لهذا الملف في ظل عدم جلب المتهمين الفعليين في الانتهاكات.
ويشار إلى أن الدائرة القضائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقفصة كانت قد باشرت النّظر في أوّل الملفّات المحالة عليها من قبل هيئة الحقيقة والكرامة والمخصصة لملفّ أحداث الحوض المنجمي خلال جلسة أولى انتظمت يوم 28 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وبموازاة ذلك أعلنت أربع منظمات حقوقية تمسكها بمسار العدالة الانتقالية، داعية إلى ضرورة استكماله باعتباره آلية للقطع مع الانتهاكات حقوق الإنسان وحق دستوري.
وأكدت المنظمات الأربع في بيان مشترك بمناسبة عقد ثاني جلسات العدالة الانتقالية المتعلقة بملف الحوض المنجمي 2008 أن المصالحة الوطنية لا يمكن لها أن تتحقق إلا من خلال احترام بقية مسار العدالة الانتقالية والمتمثلة أساسا في كشف حقيقة الانتهاكات والمحاسبة وجبر ضرر المتعرضين للانتهاكات وإصلاح المؤسسات من خلال تنفيذ التوصيات التي سيتضمنها التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة.
ونددت بعدم امتثال المنتهكين المحالين إلى الدوائر الجنائية المتخصصة والتهاون في تنفيذ بطاقات الجلب الصادرة في حقهم من قبل السلطات المكلفة بتنفيذها، مشيرة إلى أن ذلك يتناقض مع مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.