يبدأ الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد الانتهاء من المجلس الحكومي، الذي تم تقديم موعده إلى اليوم بدل الأربعاء، زيارة إلى جيبوتي، يتجه بعدها إلى إثيوبيا وكينيا.
وتأتي هذه الزيارة بعد توجيه الاتهام إلى محمد كَدَعمي، وهو مُعارض سياسي جيبوتي في باريس، تريد السلطات الجيبوتية تسلمه، وهو ما يعتبر بمثابة استعادة للتعاون القضائي بين البلدين، بعد قرار باريس تجميد الاتصالات بين الطرفين، على إثر اغتيال القاضي الفرنسي برنار بوريل في جيبوتي، سنة 1995.
كما تأتي زيارة ماكرون، في ظل شبهات بالفساد تحوم حول الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، حيث رفعت شكوى ضده لدى القضاء الفرنسي بتهمة اختلاس أموال عمومية.
ولكن على الرغم من الفتور القضائي، والذي دفع جييوتي سنة 2006 إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار قرار حول رفض السلطات الفرنسية تسليم عناصر بخصوص ملف القاضي بوريل، فإن التعاون العسكري بين فرنسا وهذا البلد الاستراتيجي، لم يتوقف، أبدًا؛ ففرنسا تمتلك في جيبوتي قاعدة عسكرية هامة، ويبلغ عدد جنودها 1400 شخص، مما يجعل جيبوتي تستضيف أكبر عدد من الجنود الفرنسيين.
وسيلتقي الرئيس ماكرون، كما هي عادته، اثناء زياراته إلى الدول التي تضم حاميات فرنسية، بأفراد القوة العسكرية الفرنسية، وهو ما فعله في دولتي مالي وتشاد، مؤخرًا.
كما أن الرئيس الفرنسي سيبحث مع السلطات الجيبوتية تصدير تجهيزات عسكرية، تقوم المملكة العربية السعودية بتمويلها.
وعلى الرغم من الوجود العسكري الفرنسي التاريخي في هذا البلد الأفريقي، إلا أن جيبوتي انفتحت على قوى كبرى، ومنحت تسهيلات لها، كما هو الشأن مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الصين، التي وقّعت معها في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، "شراكة إستراتيجية"، تمثلت في افتتاح قاعدة عسكرية صينية، في شهر أغسطس/آب 2017. وهو ما يثير ريبة وقلقًا فرنسيين، وأيضًاً قلقًا جيبوتيًا بسبب عدد الجنود الصينيين المتواجدين في القاعدة، والذي ترى التقديرات أنهم في حدود 10 آلاف جندي، وأيضًا بسبب تنظيم الصينيين لمناورات عسكرية كبيرة.
وإلى جانب القلق من تزايد النفود الصيني في القارة الأفريقية، وخاصة في البلدان ذات النفوذ التقليدي الفرنسي، وهو ما سيحاول الرئيس الفرنسي مناقشته مع الرئيس الحيبوتي، فإن الرئيس ماكرون، سيشكر القيادة الجيبوتية، على دورها في "مكافحة الإرهاب"، وهو ما عبرت عنه من خلال استجابتها الفورية لطلب السلطات الفرنسية تسلّم بيتر شريف، وهو متهمٌ اعتقل في جيبوتي، بعد أن قدم إليها من سورية، وتحوم شكوكٌ حول دور كبير له في الهجوم الإرهابي على صحيفة "شارلي إيبدو"، على خلفية نشرها لرسوم كاريكاتورية مسيئةً للإسلام. وهو هجوم نفذه الأخَوان سعيد وشريف كواشي، وتسبب في مقتل 12 شخصا.
وإذا كانت الزيارة الفرنسية تأتي لدعم هذا البلد الفقير، الذي يعاني من ضائقة اقتصادية، وهو ما يدفعه للدخول في علاقات مع بلدان وقوى كبرى متنافسة، فإن ثمة مخاوف من أن يستغل النظام الجيبوتي هذه الزيارة لتلميع صورته، خاصة مع السجل غير المضيء في مجال حقوق الإنسان، وهو سجل كارثي باعتراف التقرير السنوي، لسنة 2017، لمكتب الخارجية الأميركية، والذي يتحدث عن "اللجوء إلى العنف المفرط" وحالات "تعذيب" و"اعتقالات عشوائية مؤقتة، لكنها طويلة" وغيرها.
كما أن الرئيس إسماعيل عمر جيله، يريد الاستفادة من الزيارة، في أفق الترشح لولاية جديدة سنة 2021، وهو ما تعارضه قوى تحالف المعارضة "المدنية"، التي اجتمعت في باريس، عدة مرات، والتي تريد دفع النظام لبداية "فترة انتقالية". وهو تحالفٌ يقلق نظام إسماعيل عمر جيله، خاصة مع انفتاح قوى المعارضة، لأول مرة، على "الجبهة من أجل استعادة الوحدة والديمقراطية"، من أجل تعزيز ميزان القوى في البلد.
كما أن تنظيم المعارضة لنفسها يأتي في وقت صعب يجد فيه النظام الجيبوتي نفسَه في عزلة على المستوى الإقليمي، خاصة بعد المصالحة بين نظامي إثيوبيا وإريتريا.