وإن كان الانطباع الأولي الذي قد يخرج به متابع حديث الوزيرين الروسي والأميركي بعد الاجتماع المنتظر، مفاده أن أجواء التوتر ما تزال مخيمة على العلاقات بين البلدين وأن الثقة بينهما ما تزال في أدنى مستوياتها، كما عبر تليرسون. ورغم حرص الكرملين على إضفاء نوع من الدراما والاستعراض المسرحي على اللقاء بين الرئيس الروسي ووزير الخارجية الأميركية، لإظهار بوتين بصورة الزعيم الحازم والممتعض جداً من الضربة الأميركية في سورية، إذ تحدثت الأنباء أمس عن إلغاء الاجتماع واضطرار وزير الخارجية الأميركية للانتظار عدة ساعات قبل تراجع الكرملين وتحديد موعد لتليرسون مع بوتين، فإن وزير الخارجية الروسي المخضرم لم يتمكن من إخفاء القلق الروسي من المفاوض الأميركي الجديد، رغم رصيد تليرسون في الكرملين وهو الذي تلقى وسام الصداقة من الرئيس الروسي عندما كان مديراً عاماً لشركة أوكسيل النفطية.
وعندما كان يرد لافروف على أسئلة الصحافيين بشأن الخلاف الأميركي والروسي على مصير الأسد، وعلى موقف تليرسون الحاسم بأن نهاية عائلة الأسد قد اقتربت، وأنه من الاستحالة التوصل الى تسوية سياسية في سورية مع وجود الأسد، بدا وزير الخارجية الروسي وكأنه يترحّم على حقبة وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري، وموقف إدارة باراك أوباما المربك من مصير رأس النظام السوري. حيث كان كيري يذهب إلى موسكو مكبل اليدين دون دعم من البيت الأبيض ووزارة الدفاع، وحيث تمكن لافروف من التفاوض مع كيري على مدى سنوات من غير أن تتراجع موسكو عن مواقفها ومصالحها في سورية.
الواضح أن المفاوض الأميركي اليوم يختلف كلياً، فإدارة ترامب بعثت برسالة قوية إلى الروس قبل حضور تليرسون إلى موسكو، إضافة إلى أن الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي الجديد إلى موسكو جاءت على وقع صواريخ توماهوك التي استهدفت مطار الشعيرات الذي يوجد فيه عسكريون روس إلى جانب قوات نظام الأسد.
وتزامنا مع محاولات بوتين ولافروف الحثيثة مع وزير الخارجية للحصول على ضمان بعدم تكرار الضربات العسكرية الأميركية ضد قوات نظام الأسد، كانت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هيلي، تخوض مواجهة دبلوماسية مفتوحة مع الفيتو الروسي ضد مشروع القرار الدولي بشأن سورية، وتؤكد في كلمتها أمام مجلس الأمن أن واشنطن سترد عسكرياً على أي خرق للقانون الدولي في سورية، وفي حال استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية مجددا.
وقد كان لافتاً خلال المؤتمر الصحافي المشترك اختيار وزير الخارجية الأميركي تقديم إجابات وردود مقتضبة وواضحة، فيما أسهب وزير خارجية روسيا في الغوص في تفاصيل القضايا الخلافية. وإن كان ملاحظاً أيضا أنه رغم الإسهاب في الكلام عن التطورات السورية الميدانية وخصوصاً ما يتعلق بالتنسيق العسكري بين الجيشين الروسي والأميركي والاتفاق على توحيد الجهود في محاربة "داعش"، فإن مقاربة لافروف لمسألة الأسد بدت دبلوماسية وغامضة، ولم يبدِ حرصاً روسياً حثيثاً على دور لها في التسوية النهائية في سورية، الأمر الذي رأى فيه بعض المراقبين في واشنطن إشارة ولو غير مباشرة، إلى ليونة روسية محتملة، وعدم إغلاق الباب كلياً أمام احتمال اقتناعهم بوجهة النظر الأميركية.