طرابلس على صفيح ساخن: إعلان "الطوارئ"...وصمت "مريب" لأطراف الصراع

02 سبتمبر 2018
تأزم الوضع الأمني بشكل متسارع في طرابلس(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن المجلس الرئاسي الليبي حالة الطوارئ في العاصمة طرابلس وضواحيها، على خلفية تأزم الأوضاع الأمنية بشكل متسارع في العاصمة الليبية طرابلس، التي تحولت منذ أسبوع إلى ساحة صراع بين أطراف مسلحة غير معروفة الانتماء والولاء، وذلك إثر اقتحام "اللواء السابع"، القادم من مدينة ترهونة (110 كيلومترات جنوب شرق طرابلس)، يوم الأحد الماضي، لمقار عسكرية في قصر بن غشير تسيطر عليها مليشيات شرعتها حكومة الوفاق، وضمتها لوزارة الداخلية.

وشهدت العاصمة، ليل أمس السبت، معارك عنيفة شاركت فيها فصائل مسلحة عدة، وهذه المرة في الناحية الجنوبية الغربية منها، في محاولة للسيطرة على مواقع فيها.

ويتسم المشهد الأمني اليوم في العاصمة الليبية بالضبابية، إذ إن غالبية المليشيات المتعاركة فيها قد قدمت من خارجها، ومنها:

- "لواء الصمود" الذي يقوده صلاح بادي، قائد "عملية فجر ليبيا" عام 2014، والقادم من مصراتة، والذي أعلن سيطرته على "معسكر حمزة" ومطار العاصمة القديم.

- "قوة الأمن العام"، ويقودها عماد الطرابلسي، أحد قادة فصائل الزنتان ( 136 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس) التي طردت من طرابلس في 2014، والتي أعلنت سيطرتها على معسكر 7 إبريل ومجمع الدعوة الإسلامية.

- "القوة الوطنية المتحركة" التي يقودها سعيد قوجيل، والمؤلفة في أغلبها من مقاتلي الأمازيغ. ورغم تمركزها في مناطق غرب العاصمة، إلا أن هذه القوة كانت تنأى بنفسها في السابق عن حروب الغرب الليبي، لكنها اليوم أعلنت هي الأخرى سيطرتها على مقر قرية سياحية غرب العاصمة.

بالإضافة إلى ذلك، سُجّل تقدم جديد لـ"اللواء السابع"، الذي أعلن سيطرته على منطقة الكريمية، التي تضمّ أكبر أسواق العاصمة، والذي يمثل شريان الحياة لسكانها. كما سجلّ اصطدام مسلح عنيف اسمتر لساعات بين هذا "اللواء" ومليشيا عبد الغني الكللي، التي تعمل تحت مسمى "قوة الردع والتدخل السريع" في وزارة داخلية "الوفاق"، وذلك على تخوم حيي أبو سليم وصلاح الدين الواقعين في قلب المدينة. وأكد "اللواء السابع" في بيان له صباح اليوم الأحد عزمه التقدم باتجاه الحيين، مطالباً السكان بإخلاء منازلهم.

لكن اللافت في الفوضى الحالية هو الغياب التام لسلطتي البلاد، سلطة "حكومة الوفاق" في طرابلس، وسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتحفز للهجوم على العاصمة منذ زمن، والمدعوم من برلمان طبرق، الذي يغطي تحركاته العسكرية. ويتبادر سؤال إلى الذهن حول مدى وقوف "المؤتمر الوطني العام" وحكومته، أي "حكومة الإنقاذ"، اللذين لا يزالان على موقفهما من عدم شرعية الاتفاق السياسي والحكومة المنبثقة منه، خلف جزء مما تشهده طرابلس اليوم.

حكومة الوفاق.. الغائبة الحاضرة

ومنذ فشلها في فرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته وزارة الداخلية مساء الخميس الماضي، غابت بيانات ومواقف "حكومة الوفاق" بشكلٍ شبه نهائي عن المشهد المشتعل في العاصمة، وذلك حتى مساء اليوم، حين أعلن "المجلس الرئاسي" حالة الطوارئ في طرابلس وضواحيها.

وكان المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج، نشر بشكلٍ عاجل صباح اليوم صوراً من مكتبه في قاعدة بوستة، مقر حكومته المؤقت، مع خبر يفيد بعقده لقاء مع رئيس الأركان عبد الرحمن الطويل، ووزير الدفاع المكلف، اوحيدة نجم، لـ"متابعة الأوضاع العسكرية والأمنية في ضواحي العاصمة طرابلس التي تشهد اشتباكات مسلحة"، وذلك بالرغم من تجاوز الاشتباكات ضواحي العاصمة لتندلع في قلبها، مثل أحياء طريق المطار، وأبو سليم، التي لا تفصلها عن مقر الحكومة سوى بضعة كيلومترات.

وكما في البيانات السابقة، التي لم يشر فيها إلى تأييده ودعمه للمليشيات التي تتبع وزارتي الداخلية والدفاع التي تشارك في القتال الحالي، قال المكتب إنه ناقش مع وزير الدفاع "سبل تأمين سلامة المواطنين وحمايتهم، وتأمين المؤسسات الحيوية في الدولة".

وجاء خبر المكتب الإعلامي بعد ساعات قليلة من تأكيد المتحدث باسم الحكومة محمد السلاك، عبر تدوينة على صفحته الرسمية في موفع "فيسبوك"، تواجد السراج في طرابلس، وذلك نفياً لشائعات ترددت تفيد بمغادرة الأخير للعاصمة، إثر اشتداد المعارك ليل البارحة.


ظلال حفتر حائمة

بالرغم من الصمت المطبق من قبل حفتر على أحداث العاصمة، التي أعرب أكثر من مرة عن طموحاته بضمّها إلى مناطق سيطرته، لم تتوقف الأنباء المشيرة الى إمكانية وقوف اللواء المتقاعد وراء جزء من الأحداث الدائرة حالياً، وتحديداً حول علاقته بمليشيات "اللواء السابع" .

ونفى "اللواء السابع" بشكل قطعي، في بيان أصدره ليل أمس، تبعيته لـ"عملية الكرامة"، لكن النائب المستقيل عن ترهونة محمد العياني، صرّح بأن "اللواء 22"، وهو من بقايا كتائب القذافي، وآمره العميد الصيد الجدي، عاد للعمل في ترهونة بقرار من "القيادة العامة للجيش الوطني"، وهو المسمى الذي تقاتل قوات حفتر تحت شعاره، في وقت أعلن فيه "اللواء السابع" عن وصول أرتال معززة من ترهونة لـ"اللواء 22"، للمشاركة في المواجهات الحالية.

يضاف إلى ذلك، أن عماد الطرابلسي، وهو قائد مليشيا الأمن العام، والمعروفة بولائها لحفتر رغم شعار "حكومة الوفاق" الذي ترفعه، أعلن أمس سيطرته على موقع عسكري هام ومجمع "الدعوة الإسلامية".

لكن الأكثر لفتاً للأنظار، انتشار فيديو عبر وسائل إعلام مقربة من حفتر صباح اليوم الأحد، ظهر فيه آمر القوات الخاصة في قوات الأخير، اللواء ونيس بوخماده، كاشفاً عن استعداد هذه القوات للتدخل في طرابلس "برّاً وجواً".

وقال بوخمادة، خلال حفل تأبين ضابط تابع لحفتر ليل أمس السبت في بنغازي، إن "القوات الخاصة رهن إشارة الشعب الليبي، وهم مستعدون لتقديم المزيد من الشهداء في الجنوب أو طرابلس"، وإن "الجيش الليبي لن يتوقف، فالمشوار لا يزال طويلاً"، مؤكداً أن قوات حفتر "جاهزة للتدخل برّاً وبحراً في طرابلس في انتظار أوامر المشير خليفة حفتر قائد الجيش العام"، وهو تصريح قد ينفي مشاركة قوات حفتر بالمعارك الدائرة حالياً، لكنه بلمح في الوقت ذاته، الى "قربه" من مكان الحدث.

المؤتمر وحكومة الإنقاذ

منذ خروجها من العاصمة العام الماضي، لم تتوقف قوات "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"المؤتمر الوطني العام"، والتي تشكلت إثر تشظي حلف "فجر ليبيا"، بسبب اختلاف مواقف مليشياته من الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق التي دخلت لطرابلس في مارس/آذار 2016، وهي تتألف من مليشيات متحدرة من مصراتة التي يتحدر منها أيضاً رئيس هذه الحكومة خليفة الغويل، عن الترقب والتحفز للعودة للعاصمة، لتصبح الفرصة سانحة الآن أمامها للعودة.

ويوم الأربعاء الماضي، انتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر فيه أبرز قادة قوات "الانقاذ"، صلاح بادي، متعهداً العودة، ومعلناً قرب وصول قواته إلى طرابلس قادمة من مصراتة، تلاه انتشار فيديو آخر ليل السبت بشكل واسع، ظهر خلاله بادي وسط مطار طرابلس القديم معلناً سيطرته على معسكر حمزة والمطار جنوب العاصمة، في وقت انتشرت فيه أنباء عن تخلي "الكتيبة 201" المتحدرة من مصراتة، والمتمركزة في معسكر حمزة والمطار، عن تبعيتها لـ"حكومة الوفاق" وانخراطها في مساعي بادي.

وتأتي هذه الأنباء بالتزامن مع اختطاف اللواء محمد الحداد، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، والآمر السابق لـ"الكتيبة 301"، الذي كلفه السراج الخميس الماضي بالاشراف على تنفيذ ترتبيات وقف إطلاق النار بين المتناحرين جنوب شرق العاصمة، والذي يبدو أنه من معارضي انخراط مصراتة في حرب طرابلس الحالية .

وبالرغم من أن هذه التهكنات قريبة من الواقع، إلا أن جكومة "الإنقاذ" و"المؤتمر" لم يخرجا حتى الآن بأي موقف رسمي من الأحداث الدائرة.

مجلسا النواب والدولة

اللافت في مسار الأحداث، هو صمت مجلس النواب، الذي طالما جاهر بمعارضته لعمل حكومة الوفاق وتأكيده على عدم شرعيتها، ومساعيه لإسقاطها طيلة السنوات الماضية. هذا المجلس بدا مستغرباً إغفاله دعوة عدد من النواب، في بيان حمل توقيع 80 نائباً، الأربعاء الماضي، لإسقاط المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق، وإعادة تشكيلهما، وهي الدعوة التي سارع مجلس الدولة، في بيان رسمي في اليوم التالي، إلى تأييدها، فتفويت مجلس النواب الفرصة، التي قد لا تعوض، والعمل بناء عليها، لاسيما أن مواقف النواب بمن فيهم الطيف المؤيد لـ"الوفاق" مع مجلس الدولة قد توحدت، لإسقاط السراج ومجلسه، أمر قد يثير تساؤلات عما يدور في كواليس الأحداث، ومن بينها إمكانية تعرضه لضغوط دولية للوقوف دون إجرائه مثل هذه الخطوة، فبقاء العاصمة دون جسم سياسي يعني دخولها في فوضى طويلة ستمتد تأثيراتها إلى كل ليبيا.

من جهته، أعلن المجلس الرئاسي الليبي اليوم الأحد حالة الطوارئ في العاصمة طرابلس وضواحيها، على خلفية الاشتباكات المستمرة منذ نحو أسبوع مسببة مقتل وإصابة العديد من المدنيين.

وقال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بيان إنه "نظراً لخطورة الوضع الراهن ولدواعي المصلحة العامة، فإن المجلس يعلن حالة الطوارئ الأمنية بالعاصمة طرابلس وضواحيها"، متحدثاً عن "تشكيل لجنة لتنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في الاتفاق السياسي، الخاصة بالعاصمة وباقي المدن".

وأوضح المجلس أن الخطوة تهدف إلى "حماية المدنيين، والممتلكات الخاصة والعامة والمنشآت والمؤسسات الحيوية". وأعلن عن "تشكيل لجنة لتنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في الاتفاق السياسي، والخاصة بالعاصمة وباقي المدن".


المواقف الدولية تفاقم الغموض

لم تتخط المواقف الدولية المواكبة للوضع الملتهب في طرابلس، حد المطالبة بوقف أعمال العنف، وتهديد المليشيات بـ"المحاسبة"، عبر بيانين، الأول اشتركت في صياغته سفارات ست دول، هي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا، الخميس الماضي، والثاني لسفارات أربع دول، هي بريطانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، وصدر صباح اليوم الأحد، مكررة فيه المطالب ذاتها بوقف التصعيد، وتوعد من "يعبثون بالأمن في طرابلس أو في أي مكان آخر في ليبيا"، بأنهم "سيحاسَبون على أعمالهم"، بالاضافة للتحذير من "إضعاف السلطة الشرعية وتعطيل سير العملية السياسية".

أما بعثة الأمم المتحدة، فواكبت تصاعد العنف عبر تحركات في مدينتي طرابلس وترهونة قام بها رئيسها غسان سلامة برفقة فريقه الأممي، ليعلن مساء الخيمس الماضي عن التوصل لهدنة ووقف لإطلاق النار، لكن انهيار تلك الهدنة سريعاً وعودة القتال غيّبا جهود البعثة ومواقفها، بما فيه التعليق على انهيار الاتفاق، مفضلة نشر أخبار عن لقاءات سلامة بمسؤوليين محليين في طرابلس لـ"مناقشة سبل تأمين حياة المواطنين".