جزيرة غوام... خطّ الدفاع والهجوم الأميركي الأوّل بالمحيط الهادئ هدفاً لكوريا الشمالية
نحو 3300 كيلومتر فقط تفصل غوام عن صواريخ "هاوسونغ 12" متوسّطة المدى، التي هدّدت كوريا الشمالية بضربها بعد وعيد "النار والغضب" المدوّي للرئيس الأميركي، دونالد ترامب. الجزيرة السياحية الوادعة، العائمة في غرب المحيط الهادئ، وجدت نفسها في مرمى تهديدات مروّعة من قبل رئيسين متهوّرين، كما يوصفان على نحو واسع، وحربٍ نوويّة محتملة، وغير مسبوقة، بين قوّة نوويّة صاعدة، وقوة نوويّة هي الأكبر "والأكثر قوّة من أي وقت مضى"، كما قال ترامب نفسه.
لكن موقعها الجغرافي، وبيئتها "الوادعة"، لم تجعل منها مقصدًا سياحيًّا فحسب، وهي التي تحتضن قواعد عسكريّة أميركيّة حيويّة تمثّل المورد الاقتصادي الرئيسي الثاني لها بعد السياحة. مكانتها الجيواستراتيجية في المحيط الهادئ، وهي الواقعة على مسافة 4800 كيلومتر غرب هاواي، جعلت منها حجر الزاوية في استراتيجية الولايات المتّحدة العسكريّة في منطقة "الباسيفيك"، وخطّ دفاعها وهجومها الأوّل في شرق آسيا، وجعلت منها أيضًا، في مقابل ذلك، "كنزًا" استراتيجيّا بالنسبة لكوريا الشمالية في مواجهتها مع الولايات المتّحدة، على اعتبار أنّها الأقرب لها مسافةً من أي إقليم أميركي آخر.
وتعتبر الجزيرة نقطة انطلاق هامّة تسمح للولايات المتّحدة بالوصول السريع إلى مناطق التوتّر المحتملة في الكوريتين وفي مضيق تايوان، وهذا هو الدور الذي أدّته خلال حرب فيتنام بين عامي 1955 و1975، حين كانت قواعدها منطلقًا رئيسيًّا للطائرات الأميركية المتوجّهة لضرب هانوي خلال الحرب.
الجزيرة التي لا يعيش فيها سوى حوالى 162 ألف نسمة، بحسب تقديرات "سي آي إيه" عام 2016، تعتبر إقليميًا أميركيًّا غير مدمج مع الولايات المتّحدة، منذ أن تنازلت عنها إسبانيا للولايات المتّحدة حينما وقّعت على اتفاقية باريس عام 1898 بعد الحرب الإسبانيّة الأميركية. واليوم، يحمل سكان الجزيرة الجنسيّة الأميركيّة، لكنهم لا يحظون بحقوق المواطنة كاملة، مثل الحق بالتصويت.
تقدّر مساحة الجزيرة بحوالى 544 كيلومترا مربّعا فقط، وعلى 30% منها تتوزّع القواعد العسكريّة الأميركية التي يقيم فيها نحو 6 آلاف من جنود "المارينز"، وأهم تلك القواعد هي قاعدة "أندرسون" الجويّة، وقاعدة "غوام" البحريّة. وبحسب تعبير قناة "إي بي سي" الأميركية، فإن القادة العسكريّين يشيرون عادةً إلى الجزيرة بوصفها "حاملة طائرات دائمة".
ومن بين المعطيات القليلة المتوفّرة عنها، ثمّة ما يفسّر أحقّية الجزيرة بهذا الوصف، فهي تحتوي على قاذفات "بي 1" و"بي 2" و"بي 52" الأميركية الاستراتيجيّة، وتوصف من قبل جهاز "سي آي إيه" بأنّها تحتضن بعض أكثر القواعد أهمّية من الناحية الاستراتيجيّة في المحيط الهادئ. وتبعًا لذلك، فقد أضيف إليها حديثًا، في عام 2013، نظام الدفاع الأميركي الصاروخي المتطور "ثاد"، وقد نصبت القوّات الأميركية بطّارياته في قاعدة "أندرسون" الجويّة، ومن المعلوم أن تلك المنظومة مخصّصة لإسقاط الصواريخ البالستية القصيرة ومتوسّطة المدى داخل وخارج الغلاف الجويّ، ما يعني أنّه نشر عمليًّا لمواجهة التهديد الكوري الشمالي في المحيط.
ولعلّ من بين الأمور الأخرى التي تدلّل على الأهميّة المتنامية للجزيرة، قياسًا على القواعد الأميركية الأخرى في شرق آسيا، هي الخطّة الجاري تنفيذها حاليًّا لنقل حوالى 8 آلاف جنديّ أميركي (وهو عدد يفوق الجنود الأميركيين الموجودين على الجزيرة حاليًّا) من قاعدة أوكيناوا في اليابان إلى قواعدها العسكرية في غوام، بالإضافة إلى 9 آلاف فرد من أسرهم، بكلفة تتراوح بين 10 و18 مليار دولار، وتتضمّن الخطّة أيضًا بناء حاملة طائرات جديدة في الجزيرة.