لكن الرجل يزور هذه المرة المنطقة التي "سبق أن زارها ملايين المرات في قلبه" كما تنسب إليه وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية (كدلالة على روابطه الدينية الإنجيلية بـ"الأراضي المقدسة")، غير عابئ بالغضب العربي الشعبي المتنامي ضد الإدارة الأميركية على خلفية الموقف الأميركي المؤيّد بالكامل للاحتلال، بدليل أن زيارته تأتي بعد ساعات من تصعيد واشنطن ضد الفلسطينيين، وهو ما تمثل بإجراءات قطع التمويل عن وكالة غوث اللاجئين (أونروا). واجتمع بنس في القاهرة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعدما ألغى إمام الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط في مصر تواضروس الثاني لقاءهما معه، قبل أن يستقل الطائرة في المساء متوجهاً إلى الأردن، ثم إلى إسرائيل يومي الإثنين والثلاثاء. وهناك، يزور بنس حائط المبكى (البراق)، ونصب ضحايا المحرقة النازية (ياد فاشيم) في القدس المحتلة.
وقال مسؤولون بارزون في البيت الأبيض إن قضايا الأمن ومواجهة الإرهاب وجهود التصدي لإيران ستظهر بوضوح خلال رحلة بنس، التي تختتم يوم الثلاثاء. وناقش بنس القضية مع زعماء يهود ومسيحيين في الأشهر التي سبقت إعلان قرار نقل السفارة، ودافع عن الخطة داخل الإدارة. لكنه ألمح إلى الزعماء الدينيين أواخر العام الماضي أن القرار كان قرار الرئيس وحده، وسيعد وفاء لالتزام أعلنه في حملته الانتخابية 2016. ولطالما اصطفّ بنس إلى جانب إسرائيل. ففي الكونغرس، دفع بنس من أجل الحدّ من المساعدات الأميركية الموجهة إلى السلطة الفلسطينية خلال رئاسة الرئيس جورج دبليو بوش، محذراً من أن التمويل يمكن أن يوجه إلى جماعات مثل حركة حماس. وكان بنس مناصراً صريحاً لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي، وشارك في دعم قانون سفارة القدس والاعتراف عام 2011 بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ويصف أعضاء مجلس النواب المخضرمون دور بنس بأنه حليف شرس للقضايا الإسرائيلية، وداعم قوي لنقل السفارة إلى القدس، في وقت لم يكن يتحدث كثيرون فيه عن الأمر. وحين كان حاكماً لولاية إنديانا وقّع بنس مشروع قانون يتطلب من الولاية الامتناع عن الاستثمار في أي عمل على صلة بحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات (بي دي أس). أكثر من ذلك، قال بنس ذات مرة، لشبكة الإذاعة المسيحية عام 2010، إن "الولايات المتحدة تريد أن تكون نزيهة بالتأكيد، لكننا لا نريد أن نكون وسيطاً. الوسيط لا ينحاز إلى جانب. الوسيط يفاوض بين طرفين متساويين".
ويقول القس جون هاغي، مؤسس ورئيس منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" التي ساعدت في سداد جزء من تكاليف رحلة بنس إلى إسرائيل برفقة عائلته في 2014: "منذ لقائنا الأول، عرفت أن هذا رجل ملتزم بقوة بالوقوف إلى جانب إسرائيل". وقال الحاخام يحيئيل إكشتاين، وهو أميركي المولد ومؤسس الزمالة الدولية للمسيحيين واليهود ورئيسها، وهي منظمة خيرية جمعت عشرات الملايين من الدولارات لإسرائيل من أميركيين إنجيليين، إن زيارة بنس (الحالية) ستكون موضع ترحيب من الإنجيليين وستساعد في شحذ دعمهم لإدارة ترامب. وأضاف "هو امتداد للإنجيلية والمشاعر الإنجيلية تجاه إسرائيل وتاريخها. ترامب لا يملك تاريخاً كهذا. بنس لديه تاريخ موالاة لإسرائيل".
وأفادت معلومات نشرتها صحف هذا الأسبوع بأن واشنطن قد تعلن القنصلية الأميركية العامة في إسرائيل سفارة لها مؤقتاً، فيما يتواصل البحث عن موقع لبعثة طويلة الأمد. ويمكن أن تكون تلك العملية موضع خلاف مثل بناء سفارة جديدة تماماً، إذ إن المبنى الحالي يشكل مقر البعثة الأميركية للأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتنقل وكالة "فرانس برس" عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية قوله إنه لا يزال على وزير الخارجية ريكس تيلرسون اتخاذ قرار بشأن موقع دائم أو مؤقت للبعثة. وأكد المسؤول نفسه "إنها عملية تستغرق وقتاً، في أي مكان في العالم. وقت للتصميم المناسب ووقت للتنفيذ. إنها مسألة سنوات وليس أسابيع أو أشهراً".
وفي الأردن، نفذت الأحزاب القومية واليسارية اعتصاماً أمام مقر السفارة الأميركية في عمّان تنديداً بالزيارة، سبقته الخميس الماضي سلسلة بشرية نفّذها الائتلاف الشعبي من أجل القدس تنديداً بالزيارة. معارضو الزيارة يرون فيها انعطافة في الموقف الرسمي الذي أعقب الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة إسرائيلية، على الرغم من أن الملك عبد الله الثاني أكد في 8 يناير/كانون الثاني الجاري أن التواصل مع الإدارة الأميركية يهدف "لتفادي أي فراغ يؤثر سلباً على مصلحة الأردن"، مؤكداً أن ذلك لن يؤثر على الموقف الأردني الرافض للاعتراف الأميركي. في الأثناء يرى مراقبون ومحللون أن الزيارة تمثل نصراً للمدرسة الواقعية التي تحكم صناعة السياسية الأردنية، والتي لا ترفض فقط إحداث انعطافة في تحالفات الأردن الاستراتيجية بل مجرد تنويعها أيضاً. ويؤكدون على رؤيتهم بالإشارة إلى الاتفاق الأردني - الإسرائيلي، الذي أعلن عنه مساء الخميس الماضي، والذي تم بموجبه إنهاء الأزمة التي أعقبت جريمة السفارة الإسرائيلية في عمان، التي وقعت في 23 يوليو/ تموز الماضي، وكذلك قضية القاضي رائد زعيتر الذي قتل على يد جندي إسرائيلي في 10 مارس/ آذار 2014، أثناء توجّهه إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية.
ويعلّق المحلل السياسي عامر السبايلة على موعد الاتفاق الذي أنهى أطول أزمة دبلوماسية بين الأردن ودولة الاحتلال، بالقول "يدرك الأردن أن الإدارة الأميركية مسكونة بالرؤية الإسرائيلية، وأن أي صراع مع إسرائيل يمثل خسارة للولايات المتحدة". ويؤكد السبايلة أن "الأردن غير قادر على الانقلاب على التحالفات، وكل ما جرى لا يتعدى بروباغندا شعبية (..)، فالانقلاب الأردني على تحالفه مع أميركا أمر صعب جداً بسبب عوامل كثيرة اقتصادية وسياسية وأمنية وارتباطات دولية وبنك دولي وغيرها". ويرى السبايلة أن القرار الأميركي يتحرك باتجاه أمر واقع يجب التعامل معه، ويقول إن "الأردن معني بالرؤية الأميركية للمنطقة وتقديم وجهة نظرة تجاه تلك الرؤية بما يقلل من الآثار السلبية على المملكة"، معرباً عن اعتقاده بأن "الأردن لا يمكن أن يقدم أكثر من ذلك". وفيما تؤكد الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد) عبلة أبو علبة، أن الموقف لرسمي الأردني الرافض للاعتراف الأميركي ما يزال ثابتاً، فإنها تستدرك بالقول إن "الزيارة في وقت لم تتراجع فيه الإدارة الأميركية قيد أنملة عن قراراتها بخصوص القدس ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، تمثل تكريساً لتلك القرارات". وتشير إلى أن الأردن بحكم تداخله مع القضية الفلسطينية، هو أكبر متضرر من القرار (حول تمويل وكالة الغوث) الذي يمهّد لصفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، خاصة قضية اللاجئين، ما يفرض عليه التصدي لتلك القرارات بصلابة أكبر.