معركة الكيلومترات الأخيرة في الموصل: "داعش" بلا مسجد البغدادي

19 مارس 2017
استؤنفت المعارك بعد توقف فرضته أحوال الطقس(أريس ميسينس/فرانس برس)
+ الخط -
أنهت حرب الساحل الأيمن لمدينة الموصل، اليوم الأحد، شهراً كاملاً من المعارك العنيفة، مسجلة تقدماً كبيراً لصالح القوات العراقية وارتفاعاً غير مسبوق بأعداد الضحايا المدنيين الذين لا يزال المئات منهم تحت الأنقاض. ولعل التطور الأبرز تمثّل، أمس السبت، بتحقيق القوات العراقية انتصاراً رمزياً على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، باستعادة جامع "النوري"، المعروف بجامع "البغدادي"، نظراً إلى أن زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، أعلن منه عن قيام "الخلافة" عام 2014.

وأوضح القيادي في "الشرطة الاتحادية"، العميد الركن عبد الوهاب قحطان الهلالي، أن "قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع تخوض، منذ فجر أمس، معارك شرسة ضد داعش الذي استخدم مختلف أنواع الأسلحة، ودفع بعجلتين مفخختين لإعاقة تقدمها في منطقة باب الطوب، وسط المدينة"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول". وأشار إلى أن "القوات (العراقية) تمكنت، صباح السبت، من إرغام المسلحين على التراجع والسيطرة على مسجد (النوري) في سوق الأربعاء والتوغل بسرعة كبيرة جداً في شارعي غازي والعدالة وأخذ موطئ قدم فيهما". وتابع أن "التنظيم حاول بشتى الأساليب القتالية الحفاظ على المسجد بسبب رمزيته عند أتباعه والمسلحين الذين يقاتلون تحت رايته، إلا أنه فشل في النهاية"، لافتاً إلى أن القوات (المهاجمة) تسيطر الآن عليه وقد أسقطت راية داعش عنه بانتظار تطهيره بالكامل"، وفق قوله أمس. وفي ما يتعلق بحصيلة الخسائر التي تكبدتها القوات العراقية خلال المعارك، قال إن الهجوم أسفر عن "مقتل 9 جنود وإصابة 14 آخرين، بينهم ضباط بمراتب مختلفة، فضلاً عن تدمير 3 مدرعات تابعة للشرطة الاتحادية". وأضاف أنه تم "قتل 21 مسلحاً (من تنظيم داعش) وتدمير أكثر من 5 درّاجات نارية وعجلة مفخخة". وأشار إلى أن القوات المهاجمة طوقت على الفور "منطقة باب السراي من أجل الشروع بتحريرها خلال الساعات القليلة (المقبلة) لتتوجه بعد ذلك إلى داخل منطقة الميدان وتعمل على تحريرها من سيطرة التنظيم"، وهي مناطق في المدينة القديمة ذات الأزقة الضيقة.

وانتقد الهلالي بشدة دور "التحالف الدولي" وغطاءه الجوي في المعارك الأخيرة، ووصفه بالضعيف جداً ولا يرتقي للمستوى المطلوب، وفق تعبيره. وأشار إلى أنه ومنذ أكثر من 24 ساعة لم ينفذ "التحالف" أي ضربة ضد "داعش" بحجة سوء الأحوال الجوية.

ويأتي هذا التقدم بعد أيام من دخول القوات العراقية المدينة القديمة التي تمتاز بأزقتها الضيقة التي تجعل من الصعوبة دخول العربات العسكرية، فضلاً عن اكتظاظها بالسكان، وهو ما أوقف تقدم القوات ووضع قيوداً على القصف الجوي. كما ساهمت الأجواء الجوية المتلبدة بالغيوم وتساقط الأمطار في عدم القدرة على تأمين غطاء جوي للقوات العراقية، وهو ما أضعف قدرة الأخيرة على مواصلة التقدم. وتدور المعارك منذ مساء السبت، في مناطق قلب الموصل، وتحديداً المدينة القديمة، حيث تواجه القوات العراقية المشتركة مقاومة شرسة من مقاتلي "داعش" الذين يتحصنون داخل الأزقة والمنازل القديمة في محلة الآغوات (مفردها آغا، حي موصلي قديم)، وحارة الباشا وشارع البيروتي والموصل الجديدة والحدباء. وعلى الرغم من تحقيق القوات العراقية لانتصارات عسكرية واضحة منذ أول أيام المعركة في 19 فبراير/ شباط من خلال سيطرتها على 40 حياً ومنطقة سكنية بما يعادل 65 بالمائة من مساحة الساحل الأيمن، إلا أن معركة الموصل لا تزال في نظر مراقبين للشأن العراقي، تجري في ظروف بالغة الصعوبة. ولم تخلُ الخطط العسكرية الموضوعة من التخبط والعشوائية والاستخدام المفرط للقوة، والذي كان من نتائجه مقتل مئات المدنيين وتهجير أكثر من 120 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير أكثر من نصف المدينة.

وأعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى الزبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن "معركة الموصل باتت مجرد مسألة وقت"، مبيناً أن "العمليات مستمرة، وباستمرارها هناك مزيد من التقدم داخل الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم داعش"، وفق تعبيره. وذكرت مصادر عسكرية عراقية أن المعارك أسفرت، أمس السبت، عن تحرير شارعي العدالة وغازي وتطويق منطقة باب السراي بالكامل. وتقدر المصادر ذاتها مقتل ما لا يقل عن ألف مقاتل من تنظيم "داعش" خلال الأسابيع الماضية، مؤكدة وجود ما بين 700 إلى 800 مقاتل، معظمهم من جنسيات أجنبية وعربية، يعتبرون في عداد الانتحاريين الذين خصصهم التنظيم لاستنزاف القوات المهاجمة.


في غضون ذلك، استأنفت قوات "جهاز مكافحة الإرهاب" في الجيش العراقي، عملياتها العسكرية ضد تنظيم "داعش" في المحور الجنوبي لمدينة الموصل بعد أقل من 24 ساعة على توقفها بسبب سوء الأحوال الجوية. وقال القيادي في الجهاز، العميد غانم الحمداني، إن "قوات النخبة استعادت بعد أقل من ساعة على استئناف عملياتها ضد التنظيم، المركز الصحي بحي نابلس، جنوبي الموصل"، كاشفاً عن محاولتها "التوغل باتجاه الأهداف التي لا تزال غير محررة في شقق اليرموك وحي الرسالة من أجل الانتهاء من تحريرها بالكامل"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" أمس السبت. وتابع أن "القوات (العراقية) قتلت 3 مسلحين كانوا يتحصنون في المركز الصحي بحي نابلس واعتقلت 2 آخرين، أحدهما يحمل جواز سفر كندي"، وفق تأكيده.

وفي ما يتعلق بدور "التحالف الدولي"، أكد الحمداني، في تصريحاته أمس السبت، أن "طيران التحالف سوف يستأنف طلعاته الجوية ضد أهداف تنظيم داعش (خلال الساعات المقبلة) بناءً على معلومات زودت بها قيادة التحالف من القوات البرية العراقية عن الأهداف المسلحة وطبيعتها في المحور الجنوبي للمدينة"، وفق تعبيره. وأضاف أن "اعتماد التنظيم على العجلات المفخخة في إعاقة تقدم القوات لم يعد كالسابق، لأنه فقد الكثير من معامل تفخيخ العجلات جراء الغارات الجوية التي استهدفت تلك المعامل وحولتها إلى ركام، فضلاً عن أنه استنزف عجلاته المفخخة في معارك الجانب الشرقي"، على حد قول المسؤول العسكري العراقي.

وفي أطراف المدينة الجنوبية الغربية، تمكنت القوات المهاجمة، بحسب وزارة الدفاع العراقية، من السيطرة بالكامل على 40 حياً سكنياً ومنطقة من مجموع 63 حياً، بالإضافة إلى 15 قرية من ضمنها السيطرة على مطار الموصل الدولي ومنشآت عسكرية وحكومية أخرى، بالإضافة إلى سيطرة القوات الأمنية على ثلاثة جسور من أصل خمسة جسور تربط قسم مدينة الموصل الشرقي بقسمها الغربي. وقد شنت هذه القوات هجومها على مناطق غرب الموصل عبر البوابة الجنوبية لمدينة الموصل حيث لم تلجأ إلى مد جسور عائمة عبر نهر دجلة كما كان متوقعاً.

وانطلقت قوات "مكافحة الإرهاب" وقوات "الشرطة الاتحادية" وقوات "التدخل السريع" وقوات "الجيش العراقي"، تساندهم مليشيات "الحشد الشعبي" من ثلاثة محاور تحت غطاء جوي غير مسبوق من طيران "التحالف الدولي"، وبدعم وحدات قتالية خاصة من قوات "المارينز" الأميركية. وقد أعاقت تقدم القوات العراقية نحو مناطق غرب الموصل أساليبُ العبوات الناسفة والمفخخات، فضلاً عن الانتحاريين والقناصين والأنفاق التي لجأ إليها عناصر "داعش" في محاولة منهم لوقف وإعاقة تقدم القوات العراقية.

في المقابل، شدد "داعش" من إجراءاته على سكان مدينة الموصل حيث منع عناصر التنظيم آلاف الأسر من مغادرة المدينة باتجاه مناطق سيطرة القوات العراقية، واتخذ منهم دروعاً بشرية، وذلك بحسب مصادر عسكرية عراقية. كما قام عناصر التنظيم باستغلال منازل السكان وحفروا بين جدرانها ممرات سرية لاستخدامها في التنقل من منطقة إلى أخرى والتخفي من طيران "التحالف الدولي" خلال محاولاتهم صد تقدم القوات العراقية. وساهم طيران "التحالف الدولي" بدور حاسم في تمكين القوات العراقية من التقدم في المعركة وتدمير مفخخات تنظيم "داعش" وخطوط دفاعاته وتصفية أبرز قادته الميدانيين، وهو ما رجح كفة القوات العراقية في المعركة.

وفي ما يتعلق بنتائج المعارك حتى الآن، قال عضو مجلس محافظة نينوى، أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إن ساحل الموصل الأيمن دمر والقوات الموجودة غير مكترثة بالمدينة، بحسب تعبيره. وبيّن أن مناطق كاملة سويت بالأرض وأن الطيران الأميركي استخدم "قوة غير معقولة" ولجأ إلى "قصف هستيري"، فضلاً عن السلاح الثقيل للجيش العراقي.

وتدافع قيادات عسكرية عراقية عن نفسها من تهم تدمير المدينة واستخدام سياسة الأرض المحروقة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، بتقديم ذرائع من نوع أن "داعش" يستخدم أسلحة ثقيلة ويصعب التعامل معه إلا بالمثل. وفي هذا الصدد، قال القيادي في غرفة عمليات نينوى، العقيد الركن ماجد حامد الساعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "النتائج المتحققة في المعركة منذ انطلاقتها أفضل بكثير من المتوقع". وأضاف أنه "على الرغم من الحسابات المسبقة حول أن معركة الساحل الأيمن ستكون أطول من معركة الساحل الأيسر، إلا أن النتائج جيدة الآن"، على حد وصفه. وبيّن أن "مسؤولية القتلى المدنيين تقع على عاتق التحالف الدولي، لأنه يستخدم القنابل والصواريخ، وعلى تنظيم داعش بالدرجة الأولى لأنه ينفذ عمليات انتحارية ويتحصن بين المدنيين"، وفق تعبيره.

وفي هذا السياق، أشارت مصادر محلية داخل الموصل إلى أن أكثر من 3 آلاف قتيل وجريح سقطوا بالموصل من المدنيين خلال الشهر الماضي، من بينهم نحو 1050 مدنياً لا يزال ثلثهم تحت الأنقاض تعجز فرق الإنقاذ عن انتشالهم. غير أن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى الزبيدي، قال إن "الأرقام التي تتحدث عن القتلى المدنيين غير صحيحة".

نداءات إغاثة
وانتشر، أمس السبت، على مواقع التواصل الاجتماعي نداء وجهته سيدة مسنّة تطالب فيه الجيش بالتوجه إلى شارع الآغوات، وسط، الموصل لإنقاذ عائلة ابنتها المحاصرة داخل قبو المنزل منذ أسبوع بعد انهيار المنزل بفعل القصف وانغلاق بوابة القبو بالحجارة. وكتب ناشط على مواقع التواصل أن هناك عائلة تحت الأنقاض قرب جامع "فتحي العلي"، داعياً إلى الإسراع لإنقاذها.