وقال السراج، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، صباح الجمعة، إن قواته عثرت على "مقتنيات خاصة تعود لمقاتلين روس يقاتلون في صفوف حفتر" جنوب طرابلس، وهو تصريح يتماهى مع تأكيد وزير داخليته، فتحي باشا آغا، الأربعاء الماضي، عن وجود شركة روسية تقاتل لمصلحة حفتر جنوب طرابلس.
ورغم محاولة السراج عدم اتهام موسكو بشكل رسمي، بالقول إنه "لا علم لهم حتى الآن بطبيعة علاقة المقاتلين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، مرجحاً أن يكونوا "مرتزقة"، إلا أن مؤشرات وجود دعم روسي لحفتر في حروبه العديدة في ليبيا ليست وليدة اللحظة، لكن ظهورها حالياً في أرض المعركة في محيط طرابلس يثير أسئلة حول حقيقة الموقف الروسي من أزمة ليبيا، وحول مصداقية مراهنتها على حفتر.
وكانت عملية "بركان الغضب"، التي ينفذها جيش حكومة الوفاق، قد أعلنت، يوم الخميس الماضي، عن عثورها على مستندات وهواتف شخصية لمرتزقة قاتلوا مع قوات حفتر، بينها مستندات تتعلق بأسلحة حديثة، وصور لضباط في أماكن عسكرية يبدو أنها التقطت في روسيا.
وبشكل أكثر وضوحاً، أعلن المتحدث باسم الجيش التابع للحكومة، محمد قنونو، مقتل 8 مرتزقة لشركة فاغنر الروسية خلال ضربة نفّذها سلاح الجو على مقر في محيط العاصمة.
وجاءت هذه التصريحات متزامنة مع تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، كشفت فيه عن وجود أكثر من 100 مرتزق من شركة "فاغنر" الروسية مع قوات حفتر في محيط طرابلس.
الموقف الرسمي للحكومة الروسية يدعو إلى استبعاد الحل العسكري ويؤكد ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد، إلا أن مؤشرات التدخل الروسي لم تتوقف عند حد شبهة دعم حفتر عسكرياً، حيث سعت موسكو إلى التأثير على الجهود الرامية للجنوح إلى حلول سياسية.
ففي مطلع يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وزارة داخلية حكومة الوفاق عن القبض على روسيين اثنين بتهمة "محاولة التأثير على الانتخابات المقبلة في ليبيا"، فيما كشفت وسائل إعلام دولية عن وثائق رسمية من مكتب النائب العام بطرابلس تشير إلى أن الروسيين الاثنين على علاقة بسيف القذافي ومساعي روسيا لدعمه للترشح في الانتخابات المقبلة في ليبيا.
ولا يرى المحلل السياسي الليبي عبد الرحيم بشير أن هذه الأدلة كافية لإدانة روسيا واعتبارها حليفاً لحفتر، فهي "تدعم حفتر في الخفاء وتحافظ على مصالحها في العلن مع حكومة الوفاق المعترف بها دولياً"، مشيراً إلى أن استخدامها لشركات أمنية مثل فاغنر دليل على ذلك، فـ"هي من الأذرع الروسية القادرة على دعم أي حليف ولا يمكن نفي علاقتها بالسلطة الرسمية الروسية ولا تأكديها أيضاً".
ويقرأ بشير الموقف الروسي من بداياته قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "ليبيا لها قيمة اقتصادية لروسيا فهناك عقود بالمليارات، ولذا فهي مهمة سياسياً أيضاً، وأعتقد أن عقدة تذبذب موقفها من قرار 1973 الذي تسبب في عقد حلف دولي ضد القذافي الصديق القديم والمقرب للروس، على خلفية خلافات وقتها بين ديميتري ميدفيدف وبوتين حول التصدي لهذا القرار الأممي، هو ما تسبب في استمرار الإرباك في موقفها حتى الآن"، مشيراً إلى أن موسكو بالفعل وجدت في حفتر حليفها العسكري القوي واستقبلته بشكل رسمي عدة مرات رغم عدم امتلاكه صفة رسمية.
ويضيف: "لكن روسيا تراجعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فبعد أن أرسلت إليه ناقلة الطائرات الشهيرة أميرال كوزنيتسوف عام 2016 لتستقبله على متنها قبالة شواطئ بنغازي ها هي اليوم تدعمه بشركة مرتزقة مشبوهة وبشكل سري، ما يعكس مخاوفها من المراهنة عليه وإمكانية فشله الواضح".
وينتهي بشير إلى القول "بالنسبة لي، لا أعتبر دعم موسكو لحفتر سوى أداة وورقة للضغط على أطراف دولية أخرى تمتلك نفوذاً في ليبيا ضمن الصراع الدولي القائم فيها، وإلا فهي لن تراهن على رجل عسكري عاش لعشرين سنة في ولاية فرجينيا الأميركية وإمكانية استمرار علاقته بالجانب الأميركي ممكنة جداً".
ويتفق عبد الحميد المنصوري، المهتم الليبي بالشؤون السياسية، مع بشير في أن موسكو لا يمكنها المراهنة على الجنرال العجوز الذي شارف على الثمانينات من عمره، فعلاقة موسكو برجالات النظام السابق كسيف القذافي أقوى ولم تخف دعمها السياسي له وحقه في الترشح في أي انتخابات، بحسب قوله.
ويوضح المنصوري في حديث لـ"العربي الجديد" رأيه بالقول "موسكو لم تتبن موقفاً سياسياً حتى الآن بشأن ليبيا واهتمامها به لم يتجاوز حد مصالحها وعلاقته بملفاتها الأخرى في روسيا وأوكرانيا والتوازنات بشأنهما"، مضيفاً أن "موسكو ترغب في تواصل فعلي مع الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، لكن ضعف هذه الحكومة وعدم سيطرتها على الأوضاع جعلاها تتجه للتعامل مع حفتر كحل قصير الأجل للمحافظة على مصالحها في البلاد، ما يعني إمكانية تغيره في أي لحظة بحسب الظروف المحلية والدولية"، مشيراً إلى اتصالات حثيثة بذلتها روسيا مع الحكومة بل اتصلت بمكونات سياسية عسكرية مثل قوات مصراتة لإنشاء علاقات أقوى، ما يدل على عدم مراهنتها على حفتر، بحسب تعبيره.
المنصوري يؤكد أيضاً أن السراج وحلفاءه يعلمون ذلك، وعن تصريحات السراج حول مقاتلين روس في صفوف حفتر، قال إن ذلك "طريقة للضغط في المجالات الدولية التي يلتقيها السراج وللتأثير في النظرة الدولية لحفتر"، مؤكداً أن "تلك الدلائل على الوجود الروسي ليست جديدة، ولذا لم يعلنها السراج بخصوص الإمارات ومصر وفرنسا التي تدعم حفتر بشكل ظاهر وواضح".