مع دخول الحرب في اليمن شهرها الـ22، منذ بدء غارات التحالف العربي في 26 مارس/ آذار 2015، تتخذ المواجهات الميدانية طابعاً مثيراً للجدل، بين الكر والفر، والتصعيد ثم الهدوء المفاجئ بأكثر من جبهة في البلاد، في وقت لا يزال مصير جهود تفعيل لجنة التنسيق والتهدئة المعنية بوقف إطلاق النار، المقرّر أن تجتمع في العاصمة الأردنية عمّان، مجهولاً، ومن المتوقع أن تكون تطورات الأسبوعين المقبلين حاسمة لمصير الجهود الدولية التي تنتظر إدارة أميركية جديدة، سيتحدد على ضوء موقفها مصير هذه الجهود.
وشهدت الأسابيع الأخيرة في اليمن تطورات ميدانية متسارعة ومتنقلة في آن، إذ صعّدت قوات الشرعية مدعومة بمقاتلات التحالف العربي عملياتها العسكرية شرق العاصمة صنعاء، لتدور معارك عنيفة لأيام، قتل خلالها العشرات، أغلبهم من مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) والموالين للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وترافقت مع التصعيد تطورات لافتة، مثل زيارة نائب الرئيس، الفريق علي محسن الأحمر، إلى مناطق المواجهات.
وكان لافتاً في كل ما سبق، تنقل التصعيد المفاجئ بين العديد من الجبهات خلال أسبوعين تقريباً، الأمر الذي واجه انتقادات من قبل مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبروا ذلك مؤشراً على عدم وجود خطة واضحة لقوات الشرعية بالتركيز على أهداف محددة، فيما أرجع مصدر في قوات الجيش اليمني الموالي للشرعية، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذه التحولات المفاجئة بين التصعيد والتهدئة، إلى أسباب عسكرية، منها ما يتعلق بالتضاريس الوعرة في مناطق المواجهات، وكمية الألغام التي يزرعها الانقلابيون بالآلاف في مناطق المواجهات.
وأضاف المصدر أن "القرار السياسي له علاقة بتصعيد المعارك أو تهدئتها، وفقاً لتوجيهات الحكومة الشرعية وقيادة التحالف، ونتيجة للضغوط الدولية المعروفة للجميع بالدفع نحو التهدئة". لكنه أشار إلى أن "قوات الشرعية وفي الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق مزيد من الانتصارات الميدانية، تعمل على تأمين المناطق التي تنجح بالسيطرة عليها، قبل الانتقال إلى مواقع جديدة، خصوصاً مع المحاولات والتعزيزات التي يدفع بها الحوثيون والقوات الموالية لصالح، لاستعادة المواقع التي فقدوها".
وتتخذ المواجهات الميدانية، منذ عام تقريباً، طابعاً متذبذباً بين الكر والفر والتصعيد ثم التهدئة بصورة مفاجئة، وهو ما يحصل تقريباً في أغلب الجبهات الميدانية الرئيسة، ابتداءً من محافظة تعز، مروراً بمديرية نِهم، شرق صنعاء، ومنطقة صرواح، غرب مأرب، وكذلك أطراف شبوة وبعض مديريات محافظة الجوف، وصولاً إلى الجبهات الحدودية بمحافظة صعدة، وجبهتي ميدي وحرض، في محافظة حجة.
وعلى الرغم من استنزاف المواجهات في هذه الجبهات حياة آلاف الأشخاص، أغلبهم من الانقلابيين، بقيت أغلب الأشهر الماضية، من دون انتصار حاسم لأي من الأطراف، ما جعلها مثار علامات استفهام، بين من يعيدها إلى أزمة في القرار السياسي ومن يعيدها إلى الطبيعة الميدانية ذات التضاريس الوعرة. ومن الواضح أنها تحوّلت لمعركة استنزاف، ليس من الواضح ما إذا كانت ستنتهي لتحولات نوعية مفاجئة، أم أنها ستبقى على حالها إلى حين.
في السياق، يربط مراقبون التصعيد والتهدئة بالجهود السياسية الساعية لتفعيل اتفاق وقف إطلاق النار، ومن ذلك اجتماع لجنة التنسيق والتهدئة المرتقب في العاصمة الأردنية عمّان، والذي تقول تسريبات إن الأمم المتحدة تسعى لانعقاده في يناير/ كانون الثاني الحالي. الأمر الذي لم تعلن الأطراف المعنية (الانقلابيون والشرعية)، موقفاً واضحاً تجاهه حتى الآن، بما في ذلك المملكة الأردنية التي أعلنت في تصريحات صحافية أنها ما تزال تدرس الموافقة على استضافة الاجتماع من عدمه.
وتألفت لجنة التنسيق والتهدئة من ممثلين عن الحكومة وآخرين عن الحوثيين ومشرفين أممين، بالتزامن مع إطلاق هدنة العاشر من إبريل/ نيسان 2016 في الكويت، لكن اجتماعات اللجنة انفضت منذ نهاية يونيو/ حزيران، وكان من المقرر أن تنتقل إلى ظهران الجنوب السعودية، إلا أن الانقلابيين رفضوا حضور أعضائهم، ما أدى إلى تعثر اجتماعاتها وعودة العمليات العسكرية. ويعتبر بعض المتابعين أن التصعيد العسكري يهدف لضغوط سياسية تجبر الانقلابيين على تقديم تنازلات، أكثر منها انتصارات ميدانية.