وتوقفت الاشتباكات على الأرض منذ إعلان البعثة الأممية في ليبيا عن بدء هدنة لأيام عيد الأضحى مطلع الأسبوع الماضي، رغم تجددها لساعات الإثنين الماضي.
وترغب البعثة وعدد من الأطراف الدولية في أن تتحول الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار، إلا أن خروقات قوات حفتر، والتي استهدفت مطارات طرابلس وزوارة، غرب البلاد، جويا عدة مرات خلال الآونة الأخيرة، تصعب من هذه المهمة.
لكن المصدر الحكومي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أكد أن اللجنة المصرية المكلفة بمتابعة الملف الليبي تمكنت من إقناع حفتر وقيادات موالية لحكومة الوفاق بالبدء في حوار غير مباشر من أجل الاتفاق على عدة نقاط تبنى على أساسها بنود اتفاق نهائي، في ظل عجز طرفي القتال عن حسم المعركة التي بدأت منذ إبريل/ نيسان الماضي.
وقال المصدر إن "حفتر قبل بالحوار بهدف تحييد قوة مصراتة التي يجري التفاوض من أجل انسحابها من جبهات القتال في طرابلس، مقابل ضمانات تؤكد عدم دخول مليشيات غرب ليبيا الموالية لحفتر إلى طرابلس"، موضحا أن القيادات العسكرية المنخرطة في الحوار غير المباشر طالبت بضرورة تفكيك وتحييد مليشيات ورشفانة ومليشيات اللواء السابع من ترهونة.
وبحسب المصدر، فإن القاهرة تقترح على الطرفين تشكيل قوة مشتركة من وحدات عسكرية منضبطة من جانب حفتر ومصراتة لبسط السيطرة على طرابلس وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة شرط حل البرلمان المنعقد بطرابلس وبقاء الموجود بطبرق كسلطة تشريعية وحيدة تمنح الحكومة الجديدة شرعية السلطة التنفيذية.
وتأتي هذه المقترحات بعدما دعت وزارة الخارجية المصرية الأسبوع الماضي، البعثة الأممية في ليبيا إلى "التعاون والانخراط بشكل أكبر مع الممثلين المنتخبين للشعب الليبي، لبلورة خطة الطريق المطلوبة للخروج من الأزمة الحالية"، في إشارة لمجلس النواب المنعقد بطبرق، مؤكدة أن المجلس هو الجهة الوحيدة "المناط بها التصديق على أي خارطة طريق قادمة للخروج من الأزمة الليبية، ووضع القواعد الدستورية اللازمة لتنظيم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
ولقيت هذه الدعوة معارضة واسعة من قبل حكومة الوفاق ووزارة خارجيتها، اللتين اعتبرتاها "تدخلا سافرا في الشأن الليبي الداخلي".
وتشير معلومات المصدر الحكومي إلى وجود معارضة بين شرائح عديدة في طرابلس لحصر حوار حفتر مع قيادات عسكرية من مصراتة دون إشراك الجهات الحكومية في طرابلس، ما يهدّد الحوار بالفشل.
لكن حفتر، بحسب المصدر، يعول على نجاح حواره مع قيادات مصراتة العسكرية لتحييد قوتها، كونها أبرز القوى التي تشكل غالب جبهات القتال في جنوب طرابلس، بالإضافة لامتلاكها للقاعدة الجوية الوحيدة التي تمكنت من فرض حصار جوي على قواته في الخطوط الخلفية لها، ولا سيما في الطرقات الرابطة بين الجفرة وتمركزات قواته في مناطق جنوب طرابلس.
ويبدو أن المساعي المصرية بدأت استباقا لحراك دولي نحو حث الأطراف المتصارعة في جنوب طرابلس على العودة لطاولة التفاوض السياسي من أجل إيجاد حل للأزمة، في محاولة منها لإنقاذ أوضاع حليفها حفتر، التي تشير إلى انكسار حملته العسكرية على طرابلس.
واستقبل الملف الليبي تحركات دولية لافتة في الآونة الأخيرة نحو حث الأطراف للذهاب إلى حل سلمي، أبرزها تصريحات السفير الأميركي الجديد لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أول من أمس الخميس، متعهداً بـ"العمل من أجل إنهاء فوري للصراع في ليبيا".
وفي تحول لمسار تعاملها مع الأزمة الليبية، أكد السفير "رغبة واشنطن في تكثيف النشاط الدبلوماسي مع جميع أطراف النزاع"، بعدما كانت البعثة تشدد في السابق على التعامل مع حكومة الوفاق فقط.
ويقرأ محللون في حديث السفير عن ثروات البلاد وأحقية "جميع الليبيين في العيش بسلام والاستفادة من ثروات البلاد" تلميحاً لخطة أميركية لحل الأزمة من خلال طرح دولي تم تداوله بشكل واسع في الآونة الأخيرة يقوم على "مبدأ تقسيم الثروة" من خلال إقامة نظام فيدرالي في ليبيا.
وأصدرت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات، بيانا مشتركا سبق تصريحات السفير الأميركي الجديد، أكدت فيه أنه "لا مجال للحل العسكري في ليبيا"، مطالبة بضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن حظر صادرات السلاح إلى ليبيا، ما يؤشر لتحرك دولي تسير في ركابه دول داعمة لحفتر مثل فرنسا والإمارات نحو التخلي عن دعم الحل العسكري.
ولم تتأخر القاهرة طويلا، إذ أكدت هي الأخرى على رغبتها في حث الأطراف الليبية على الذهاب إلى حلول سلمية بعيدا عن الحل العسكري من خلال "عملية تسوية شاملة تستند إلى معالجة شاملة للقضايا الجوهرية"، مشيرة إلى أن توحيد مؤسسة الجيش على رأسها.
أما الإمارات، فتعكس اللهجة المعتدلة التي بدأت في استخدامها وسائل إعلام موالية لها، كانت إلى وقت قريب تعلي من صوتها الموالي بشدة لمسار حفتر العسكري، للحديث بشكل واضح عن أهمية الحلول السياسية للأزمة الليبية، ما يعكس بشكل ضمني تغيرا في سياسة أبوظبي في التعامل مع مشروع حفتر وإمكانية تراجعها عن الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والسياسي له.