كان من المقرر أن يعقد بعض ممثلي حركة "طالبان" جولة من الحوار مع المسؤولين الأميركيين، اليوم الإثنين، في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، قبل جولة أخرى في الدوحة يوم 25 فبراير/شباط الحالي. لكن المحاولة فشلت بعدما اضطرت "طالبان" أمس الأحد إلى الإعلان عن تأجيلها إلى موعد غير محدد، بسبب عجز أعضاء من الحركة عن السفر بسبب ورود أسمائهم على القائمة السوداء للتنظيمات والشخصيات الإرهابية الخاصة بالأمم المتحدة، بحسب ما أعلنت "طالبان" نفسها في بيان أمس، وهو ما ربما يشكل انتكاسة لمحاولات سعودية لرعاية مفاوضات الملف الأفغاني في إطار جهود تلميع سمعة القيادة السعودية بعد جريمة قتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي. وقبل إعلان التأجيل، أو الإلغاء، فإن إعلان "طالبان" والحكومة الباكستانية ممثلة بوزير الإعلام الباكستاني، فؤاد تشودري، يوم الخميس الماضي، بصورة مفاجئة، عن اجتماعات إسلام آباد، رغم أن المسؤولين الأميركيين لم يؤكدوها، والتي يعقبها اجتماع "طالبان" مع كل من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي وصل أمس إلى باكستان، أثار استغراب الأفغان واستياءهم، نظراً للحساسيات الموجودة بين الدولتين الأفغانية والباكستانية، ولأن "طالبان" رفضت في الماضي الحوار مع الجانب الأميركي في السعودية وفي أي دولة أخرى، إلا من خلال مكتبها في الدوحة. فكيف رضيت "طالبان" بالحوار في باكستان قبل أن يلغى الاجتماع؟
حاولت صحيفة "خبريال" الأفغانية الصادرة باللغة البشتوية، أن تجيب على هذا السؤال وغيره في مقال لها بعنوان "اجتماع طالبان بالمسؤولين الأميركيين في باكستان يقسم الحركة". وذكرت الصحيفة أنّ بعض قيادات "طالبان"، الذين لم تسمهم، نقلوا لها عن رئيس مكتب زعيم الحركة، الملا أمير خان متقي، أن "القرار صدر إثر ضغوط باكستانية متزايدة على قيادة طالبان، فاضطرت الحركة إلى الموافقة رغماً عن إرادتها". وأكّدت الصحيفة أن قياديين من الصف الأول في الحركة أبلغوها بأنّ معظم القادة العسكريين وأعضاء المجلس العسكري للحركة استغربوا هذا القرار، ورفضوا الحوار تحت ضغط باكستان أو أي دولة أخرى، ولكن مقربين من إسلام آباد يسعون لنقل الحوار من قطر إلى باكستان، و"تلك الجولة (اليوم) ستكون مجرد بداية"، وهو ما كتبته الصحيفة قبل إعلان تأجيل أو إلغاء اجتماعات إسلام آباد طبعاً.
وأضافت الصحيفة أن مسؤولي "طالبان" قالوا لها أيضاً إنّ أعضاء من مجلس شورى الحوار مستاؤون من هذا القرار ويرفضون بشدة الاجتماع مع المسؤولين الأميركيين في إسلام آباد، خشية أن تستخدم المصالحة الأفغانية لمصالح دول الجوار، وأن تصبح محل جدل بين القوى الإقليمية. وبحسب معلومات الصحيفة، فإنّ الرافضين للحوار في باكستان من قيادة "طالبان"، هم المقربون من مؤسس الحركة الملا عمر، منهم المسؤول المالي الملا آغا أخوند، وأعضاء من مكتب الدوحة، منهم الملا خير الله خيرخواه، والملا فاضل أخوند، كما أنّ أسرة الملا عمر رفضت الحوار في باكستان.
وثمّة من يقول أيضاً إنّ باكستان مارست ضغوطاً على "طالبان"، إلى أقصى حدّ، كي تعقد الحوار في السعودية أولاً، وهو ما يصبح منطقياً مع تسريبات وكالة "رويترز" عن لقاء مقرّر، اليوم الإثنين، بين "طالبان" وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما ألغي بدوره بطبيعة الحال. وتفيد مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأنّ باكستان بعدما يئست من إقناع "طالبان" بالحوار في السعودية، طرحت عليها الحوار في إسلام آباد، "ويبدو أن الحركة رضخت لتلك الضغوط"، بحسب المصادر، قبل أن يلغى المشروع أو يتأجل. وسبق أن أعلن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أيضاً، قبل اجتماعات الدوحة الأخيرة، أنّ "طالبان" ستجتمع مع مسؤولين أميركيين في إسلام آباد، ولكنّ الحركة سارعت إلى رفض ذلك الكلام، وأشارت إلى أنّ "لطالبان مكتبا سياسياً في الدوحة، وهو مرجع جميع الأنشطة السياسية الخاصة بها".
وفي سياق الانقسام الذي أثارته المساعي السعودية ــ الباكستانية تلك لنقل الحوار إلى باكستان، ثمّ إلى السعودية، كتب القيادي السابق في "طالبان"، وسفيرها السابق لدى إسلام آباد، الملا عبد السلام ضعيف، في تغريدة: "ما كنت أتوقع منكم هذا"، من دون أن يفسّر قصده. ولكن بعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي والمهتمين بالقضية، ربطوا كلام ضعيف بموجة الاستياء من قرار "طالبان" الحوار في إسلام آباد.
وبعيداً عمّا أحدث أو كان سيحدثه التطور في صفوف "طالبان" لو حصلت اجتماعات باكستان بالفعل، فإنّ الحدث أثار استياء طيف واسع من الأفغان، مواطنين ومسؤولين، لأسباب عدة، من بينها الحساسيات الموجودة بين البلدين، إذ إن معظم الأفغان يرون أن باكستان طرف في القضية، وأنها داعمة أساسية لـ"طالبان" ولجماعات مسلحة أخرى في أفغانستان، وبالتالي الحوار هناك غير مجد في رأيهم، بل هو سعي من إسلام آباد للحصول على مكاسب سياسية، ولإثبات دورها في القضية الأفغانية.
وفي هذا السياق، قال المحلل الأمني الأفغاني، دولت خان وزيري، في حديث مع "العربي الجديد"، "يبدو أنّ جهود المصالحة أصبحت ضحية التجاذبات بين دول المنطقة، والحوار في باكستان غير نافع، لأن الأخيرة تدعم علناً أحد أطراف المعضلة، وهي طالبان"، مشيراً أيضاً إلى أنّ "الأمر قد يكون محاولة من باكستان لخطف الأضواء من جهود دولة قطر، بعد أن فشلت في إقناع طالبان بنقل الحوار إلى السعودية، بدليل أنّ الاجتماع بين ممثلي طالبان ومسؤولين أميركيين (لو حصل) كان سيتزامن مع زيارة بن سلمان إلى إسلام آباد"، على حد تعبير وزيري. من جانبه، علّق الرئيس الأفغاني السابق، حميد قرضاي، على هذه المستجدات بالقول، إنّ الحوار في باكستان "يحمل في طياته الكثير من المخاطر، وقد يبدل عملية المصالحة الأفغانية إلى لعبة تنافس بين دول المنطقة".
في المقابل، رأى الإعلامي الأفغاني، سميع يوسفزاي، أنّ جولة الحوار في إسلام آباد، لو حصلت، لكانت شكلت "ردّاً على إعلان الرئيس الأفغاني أشرف غني دعم كابول لحركة الدفاع عن البشتون في باكستان"، المعارضة لإسلام آباد. وقال غني قبل أيام في تغريدة إنه يتأسّف بشأن "استخدام باكستان القوة في وجه المتظاهرين السلميين" (من البشتون)، محذراً إسلام آباد من أن "استخدام القوة ضدّ المتظاهرين ستكون لها نتائج وخيمة"، وذلك في تعليقه على تعاطي الأمن الباكستاني العنيف مع تظاهرات البشتون قبل أيام في باكستان. واتهمت الحكومة الباكستانية الرئيس الأفغاني بالتدخل في شؤونها الداخلية، بينما دعا إعلاميون باكستانيون، مثل حامد مير، وحسن خان، الرئيس الأفغاني، إلى التركيز على أوضاع بلاده، بدلاً من التدخّل في شؤون باكستان.
في خضمّ هذا الجدل الدائر بين الدولتين وعلى صعد مختلفة، تزداد الفجوة بين "حركة الدفاع عن البشتون" والحكومة الباكستانية، لا سيما المؤسسة العسكرية، التي توعدت الحركة باستخدام القوة ضدها إذا ما استمرت في تخطّيها لما يسميها الجيش "الخطوط الحمراء"، أي المطالب المبنية على شعارات قومية إثنية. وتستعد الحركة البشتونية في باكستان، والتي تحظى بنفوذ كبير داخل القبائل البشتونية، لتنظيم إضرابات واحتجاجات شاملة، بعد أن قتل عدد من نشطائها واعتقل العشرات. كما تستمر التظاهرات المؤيدة للحركة في أرجاء أفغانستان كافة.
ووسط هذا التصعيد في العلاقات بين الدولتين، يخشى كثيرون في أفغانستان على ما تحقق من مفاوضات توصّلت إليه "طالبان" مع الأميركيين، خلال اجتماعات الدوحة الأخيرة.