مرّت ست سنوات على ولادة حزب "نداء تونس"، الذي أسسّه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ست سنوات مليئةٌ بالانتصارات والانتكاسات، والهزات التي تتقاذف الحزب، الذي يحاول اليوم إجراء أول مؤتمر انتخابي له، من أجل تثبيت هياكله وإضفاء الشرعية على قيادته.
وكان مؤتمر "نداء تونس" الانتخابي، الذي من المفترض أن تنبثق عنه أول قيادة شرعية منتخبة، قد تأجل أكثر من مرة، وفي ظلّ أكثر من مناسبة. وكان مؤتمر يناير/كانون الثاني 2016 التوافقي، بمثابة ذرّ الرماد في العيون، بحسب منتقديه، بل بمثابة الوقود الذي غذّى نيران الخلاف بين قيادة هيئته التأسيسية والكوادر الوافدة على الحزب بعد الانتخابات التشريعية في 2014، ما زاد الطين بلّة.
وأنهت اللجنة المكلفة بالانتخابات في "نداء تونس" إعداد تصور للمؤتمر المنتظر، بعد عددٍ من الاجتماعات التي مكّنت من الحسم في طبيعة المؤتمر الانتخابي ومراحله وروزنامته، واقترحت حلولاً لإشكالية الانخراطات الحزبية.
وأكد النائب منجي الحرباوي، المتحدث الرسمي باسم "نداء تونس"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اللجنة المكلفة بإعداد تصور لمؤتمر الحزب انتهت من أشغالها، وأحالت تقريرها إلى الإدارة التنفيذية، لعرضه في أقرب وقت ممكن على المكتب التنفيذي لنقاشه والمصادقة عليه.
واقترحت اللجنة عقد المؤتمر الوطني للحزب أيام 23 و24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك للمصادقة على اللوائح وانتخاب أعضاء المجلس الوطني المكون من 217 عضواً، وانتخاب الهيئة السياسية والأمين العام للحزب من قبل المجلس الوطني المنتخب.
كما اقترحت اللجنة تنظيم مؤتمرات محلية في الفترة من 15 سبتمبر/ أيلول إلى 15 أكتوبر/ تشرين الأول، وتليها المؤتمرات الجهوية في الفترة من 15 أكتوبر/ تشرين الأول إلى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، لتعد لفعاليات المؤتمر الوطني، على أن يتم فتح باب الانخراط في الأول من أغسطس/آب لغاية 15 سبتمبر/ أيلول المقبلين.
ويرى مراقبون أنه من غير الطبيعي ألا ينعقد المؤتمر الانتخابي الأول للحزب الحاكم في البلاد إلى اليوم، وهو الذي يحظى برئاسة البلاد ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، والذي كان يمتلك غالبية المقاعد عن التصريح بنتائج الانتخابات التشريعية بـ86 مقعداً، ليخسر بسبب عدم إجراء المؤتمر وبخلافاته الداخلية، أكثر من 30 مقعداً.
وخسر الحزب كثيراً من وزنه الجماهيري والشعبي بسبب الخلافات العميقة التي يتخبط فيها، ومن بينها عدم انتخاب قيادة بشكل ديمقراطي والاكتفاء بهيئة تنفيذية وقتية يتزعمها نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، ما جعل ذلك محل انتقاد شديد من قبل معارضيه.
وتروج قيادات محيطة بالمدير التنفيذي للحزب إلى عودة مرتقبة لقيادات وكوادر وشخصيات "ندائية"، وذلك بهدف المشاركة في المنافسة داخل هياكل الحزب.
ويعد المدير التنفيذي للحزب، السبسي الابن، أبرز المرشحين لرئاسة الحزب، فيما أعلنت النائب وفاء مخلوف عن نيتها الترشح ضده للرئاسة منذ ما يزيد عن السنة، لتتزعم بذلك شقّ المعارضين علناً لنجل الرئيس من داخل الحزب، بانتظار انطلاق الموعد الانتخابي وفتح أبواب المنافسة والترشحات.
وما يزيد الأمر تعقيداً تأجج الخلاف من جديد مع عقد مجموعة من الهيئة السياسية لـ"نداء تونس" اجتماعاً دون حضور المدير التنفيذي للحزب حافظ السبسي. وانتهت الهيئة بقيادة رئيس الكتلة وأمين عام الهياكل في الحزب، سفيان طوبال، إلى ضرورة المحافظة على الاستقرار الحكومي والسياسي، وتوحيد الصفوف ضد الإرهاب، في موقف مخالف تماماً لموقف الحزب الذي يصدح به نجل الرئيس، والذي دعا إلى فكّ الارتباط بحركة "النهضة" ونهاية مرحلة التحالف معها، وتغيير الحكومة بشكل جوهري وشامل، وفي مقدمها رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
إلى ذلك، أوضح المتحدث باسم "نداء تونس" منجي الحرباوي، في تصريح صحافي، أن ''لقاء بعض أعضاء الكتلة النيابية عن حركة نداء تونس يوم أمس الإثنين، لا يعد اجتماعاً رسمياً أو قانونياً للهيئة السياسية، ولا يلزم أو يمثل الهياكل القانونية للحركة بشيء''، مشيراً إلى أن ''أعضاء الهيئة السياسية للحزب عددهم 32 عضواً، كما أن غياب الممثل القانوني لنداء تونس ومديره التنفيذي، يجعل من هذا اللقاء عادياً"، مشدداً على أن ''ما صدر عن النواب المجتمعين من تصريحات لا يمثل إلا آراءهم الشخصية ولا يلزم إلا أصحابها''، على حدّ قوله.
وما يزيد احتمالات تأجيل عقد المؤتمر الانتخابي لـ"نداء تونس"، تصاعد وتيرة الخلاف وانقسام الكتلة والحزب بين مؤيد للشاهد وراغب في إسقاطه، وبين داعٍ إلى إيجاد تحالفات جديدة مع المنسلخين عن "النداء" وما يسمى بالقوى التقدمية، وبين من يرى في إبقاء توليفة "النداء" و"النهضة" حلاً حتى نهاية الولاية الحالية.