وقالت وزيرة الدفاع أورسولا فون دير ليين، خلال عرضها "كتاباً أبيض"، يتضمن التوجيهات الجديدة للجيش الألماني: "لن ننسى أبداً من أين نأتي، ولكن تحديداً، وانطلاقاً من دروس التاريخ، نرى أيضاً أن الذنب يمكن أن يتأتى من عدم التحرك".
وهذه الوثيقة التي تقع في 83 صفحة، علماً بأن الوثيقة الأخيرة تعود إلى 2006، تشكل خارطة طريق للجيش الألماني للأعوام المقبلة، مع التشديد على الدور الرئيسي الذي ينبغي أن يؤديه على الساحة الدولية. وجاء في الوثيقة، "أن ألمانيا، أول دولة اقتصادية في أوروبا، باتت تعتبر أكثر، طرفاَ أساسياً في أوروبا، يتحمل مسؤولية المساهمة في رسم النظام العالمي بصورة نشطة".
العالم تغير
وشددت وزيرة الدفاع على أن "العالم تغير، ودور ألمانيا في العالم تغير (...) لا ندعي أننا أكبر ولا أصغر مما نحن عليه. نحن مستعدون لتحمل مسؤوليات وتولي القيادة، لكننا نعرف حجمنا".
وتعكس هذه النية تبدلاً للنموذج في ألمانيا، كان بدأ قبل عشرين عاماً، حين أجيز للجيش الألماني عام 1994، المشاركة في عمليات متعددة الطرف، لحفظ السلام، بعد أعوام من الإحجام، مرتبطة بالحرب العالمية الثانية. وفي 1999، بات الجيش الألماني للمرة الأولى منذ 1945، يشارك في عمليات عسكرية في الخارج، وتحديداً في كوسوفو، في إطار الحلف الأطلسي.
مذ ذاك، وبجيش يناهز 177 ألف عسكري، تنشر ألمانيا قواتها في بلدان عدة (مالي وكوسوفو وأفغانستان). حتى إن البلد زود أخيراً للمرة الأولى، مجموعة تشارك في أحد النزاعات بالسلاح، وهي قوات البشمركة الكردية في العراق، التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية". وسيشهد الجيش الألماني أول زيادة لعديده منذ نهاية الحرب الباردة.
يندرج هذا الدور المتزايد بوضوح، في إطار أطلسي وأوروبي. وثمة هدف بعيد المدى لبرلين، يتمثل في "اتحاد" أوروبي دفاعي، وهو إرث قديم لمشروع سابق لم يبصر النور في الخمسينيات، عبر الإفادة من خروج متدرج للمملكة المتحدة، من أوروبا، وخصوصاً أن بريطانيا شكلت دائماً عقبة، تحول دون تحقيق تقدم في هذا المجال.
وأضافت وزيرة الدفاع: "كنا دوماً حذرين حيال المملكة المتحدة"، معتبرةً أن رفض لندن تسبب بـ"شلّ" تطور أوروبا على صعيد الدفاع. وتابعت: "هذا الأمر ليس جيداً، لأن الأوروبيين ينتظرون تقدماً للاتحاد الأوروبي، في هذه القضايا الكبيرة".
وأكدت أن "هذا الاحتمال بات ماثلاً"، بعد تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد، وذلك في اليوم نفسه لتولي تيريزا ماي، منصب رئيسة الوزراء البريطانية، التي عليها أن تنفذ البريكست.
ومما يقترحه "الكتاب الأبيض"، أن يجند الجيش الألماني مواطنين من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ترفضه نقابة الجنود الألمان.
تحد روسي
اعتبر "الكتاب الأبيض" أن روسيا تشكل أحد التهديدات الرئيسية. وتورد الوثيقة أن روسيا في نهاية المطاف قد "تمثل تحدياً لأمن" أوروبا.
وسواء كان الأمر صدفة أم لا، فقد تزامن إقرار الوثيقة مع اجتماع يعقده ممثلو الحلف الأطلسي وروسيا في بروكسل، بعد قمة وارسو، التي قرر فيها الحلف نشر ما يصل الى أربعة آلاف جندي في الشرق، في مواجهة التهديد الروسي.
ويؤكد "الكتاب الأبيض" أن "روسيا تبدو مستعدةً للمضي إلى أقصى حدود التزاماتها الدولية الراهنة"، وهذا الموقف "يتطلب رداً من الدول المعنية، وأيضاً من الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي".