وقاطعت كتلة "النداء" أشغال اللجنة، إثر تأجيل التصويت على مقترحها، مشترطة استئناف مشاركتها في أشغال مناقشة المشروع، بالتعاطي بجدية مع مقترحها والتصويت عليه. ولا يعتبر هذا الموقف سابقة لدى الكتلة، إذ سبق أن قاطعت جلسات البرلمان احتجاجاً على مواصلة "هيئة الحقيقة والكرامة" أعمالها، لكنها صعدت هذه المرة نتيجة إقرار الحكومة صندوق الكرامة، إحدى آخر مراحل العدالة الانتقالية.
وينشأ الصندوق، الذي نصّ عليه قانون "العدالة الانتقالية" في المادة 43، إثر انتهاء "هيئة الحقيقة والكرامة" من أشغالها وإحالة تقريرها إلى الرئاسات الثلاث، ويتم الانتقال عبره من مرحلة المكاشفة والمحاسبة، إلى مرحلة الاعتذار التي يتوجب على رئيس الجمهورية الحالي تقديمه لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وصرف التعويضات لهم.
وتخصَّص للصندوق موازنةٌ يتم التنصيص عليها في مشروع قانون للمالية سنة إحداثه، وهو ما أقدمت عليه الحكومة عبر تضمين مشروع موازنة السنة المقبلة اعتمادات متأتية من مساهمة الدولة وهبات المنظمات المانحة. وحشد "نداء تونس" نوابه وقيادات كتلته، في صلب اللجنة المالية، مقدماً مقترحاً بحذف صندوق الكرامة من المشروع.
وعلل صاحب المقترح منجي الحرباوي، في مداخلة أمام اللجنة، الغاية من تقديم هذا المقترح، بأن "نداء تونس" لا يرى موجباً للإبقاء على الفصل الذي ينصّ على بعث صندوق الكرامة صلب مشروع قانون المالية، واقترح سحبه مؤقتاً، وتحويل الاعتمادات المرصودة له إلى منح تسند للعائلات المعوزة في ظلّ غلاء الأسعار وانهيار المقدرة الشرائية.
من جهتها، هددت النائب والمتحدثة الرسمية باسم الحزب، أنس الحطاب، اللجنة بمقاطعة مناقشات قانون المالية، إذا لم يتم تمرير المقترح والتصويت عليه والتعامل مع مقترحات "نداء تونس" بجدية. ونفذت الحطاب وباقي ممثلي "النداء" وعيدهم بالانسحاب ومقاطعة أشغال اللجنة، بعد قرار تأجيل عرض المقترح على التصويت، مؤكدين أن لا عودة إلى مقاعد لجنة المالية قبل التصويت عليه.
ورغم أن "الندائيين" فقدوا أغلبيتهم داخل اللجنة، ولم يعد موقفهم محدداً داخلها، فإن المؤكد أن قرار المقاطعة الذي لم يثن اللجنة عن مواصلة أشغالها دونهم، كان في صميم الخلاف مع "النهضة" وخلافها الجديد، وتسجيل موقف ليس أكثر.
في المقابل، دحضت النائب عن التيار الديمقراطي المعارض، سامية عبّو، مقترح "النداء"، وأبرزت في مداخلتها أن "من يريد إلغاء صندوق الكرامة، عليه تنقيح قانون العدالة الانتقالية، لا إلغاء الاعتمادات المخصصة له، ما يجعله لا يستقيم قانوناً، وغير ذي جدوى عرضه للتصويت".
من جهتها، بيّنت النائب المكلفة بملف العدالة الانتقالية في حزب "النهضة" يمينة الزغلامي، لـ"العربي الجديد"، أن حسابات "النداء" السياسية تناست أو أغفلت أن العدالة الانتقالية وتعويض التونسيين الذين عانوا وانتهكت حقوقهم، شأن وطني، كان من المفترض أن يكون جامعاً لا خلاف عليه لأي اعتبارات إضافية.
ورأت الزغلامي أن "العدالة الانتقالية لا تجزأ، وهي مسار يقوم على المحاسبة والمصارحة، ثم جبر الضرر والاعتذار وحفظ الذاكرة الوطنية، ولا يمكن لرغبة أطراف في إطار اللعبة السياسية أن تغير فيه أو تعدله وفق مزاجها السياسي الخاص".
ويتجاوز الأمر، وفق رأي النائب عن "النهضة"، رغبة في منع التعويض للضحايا والحيلولة دون ذلك، إلى إرباك المشهد السياسي ككل. وقالت إن "النداء" اليوم يبذل جهوده لإرباك التحالف بين "النهضة" وكتلة "الائتلاف الوطني"، وكان من الأجدى أن تتم تصفية هذه الحسابات في إطار سياسي، لا على حساب عائلات المناضلين والشهداء والجرحى.