في الوقت الذي تدفع فيه الرئاسة الجزائرية رئيس البرلمان، سعيد بوحجة، إلى تقديم استقالته من منصبه، عبر الإيعاز لنواب حزب "جبهة التحرير الوطني" بجمع لائحة توقيعات لحمله على الاستقالة؛ لا يبدي بوحجة رفضه ترك منصبه، لكنه يشترط احترام الإجراءات الدستورية.
وقال بوحجة، في تصريح لـ"العربي الجديد" "أنا في الحقيقة لست متمسكًا بالمنصب، ولا أرى أي مانع في أن يكون هناك تداول على المسؤوليات، لكن يجب أن يعرف الجميع أننا بصدد مؤسسة دستورية، ويجب علينا في كل الأحوال احترام الإجراءات الدستورية".
ووصف بوحجة عملية جمع التوقيعات لسحب الثقة منه من قبل نواب مناوئين له بأنها "عملية سياسية ولا صلة لها بالإجراءات القانونية". وهذه هي المرة الثانية التي ينفي فيها رئيس البرلمان الجزائري تلقيه أية إشارات من الرئاسة لتقديم استقالته، إذ أكد بوحجة، في تصريح صحافي، أمس، على هامش جلسة للمساءلة البرلمانية للحكومة، أنه لا علم له بوجود خطة لإقالته من منصبه، قائلًا "أنا باق في منصبي، وكل ما ذكر بهذا الشأن لا صحة له"، ولمح إلى أن إشاعة جمع التوقيعات من قبل النواب تستهدف دفعه إلى الاستقالة من منصبه.
لكن مصدرًا مسؤولًا في حزب جبهة التحرير الوطني أكد لـ"العربي الجديد" أن قيادة الحزب، الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، تجري مفاوضات مع بوحجة، الذي ينتمي إلى الحزب نفسه، لتقديم استقالته يوم الأحد المقبل لمكتب المجلس.
وقال إن "قيادة الحزب، برئاسة جمال ولد عباس، أبلغت بوحجة رغبة الرئاسة في إجراء تغيير في رئاسة البرلمان، وله إمكانية الاستقالة، تفاديًا للجوء إلى عملية سحب الثقة منه من قبل النواب".
وذكر المصدر نفسه أن "رئيس البرلمان طلب اتصالًا رسميًا به من قبل الرئاسة".
وتعود الأزمة في البرلمان بين بوحجة ونواب أحزاب الموالاة إلى فترة ما قبل الصيف الماضي، خلال مناقشة القانون الداخلي للمجلس، والمتضمن عقوبات ضد النواب المتغيبين عن الجلسات، بالإضافة إلى قرارات انفرادية اتخذها من دون العودة إلى مكتب المجلس، آخرها قرار إقالته الأمين العام للبرلمان بشير سليماني، على خلفية رفض الأخير زيادة في منحة السفر بالعملة الأجنبية لصالح رئيس البرلمان.
وتلقى نواب كتلة جبهة التحرير الوطني، الكبرى في البرلمان، إيعازًا من السلطات العليا بجمع التوقيعات لدفع رئيس البرلمان للاستقالة من منصبه، بحسب ما أكد عدد من النواب لـ"العربي الجديد".
وأجاب نائب في كتلة الحزب، رفض الكشف عن هويته، على سؤال "العربي الجديد" بخصوص ذلك قائلًا: "نعم، لدينا إشارة سياسية لدفع بوحجة إلى الاستقالة، أو سحب الثقة منه عبر لائحة جمع التوقيعات"، مضيفًا أن "الكتل البرلمانية التابعة لأحزاب الموالاة الأخرى، أبرزها التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، ستوقع أيضًا على لائحة سحب الثقة في حال رفض بوحجة الاستقالة".
وقالت المصادر نفسها إن هناك ثلاثة أسماء مرشحة لخلافة بوحجة في منصب رئيس البرلمان، بعد استقالته، أو إقالته من منصبه، وهم وزير الصيد السابق، سيد أحمد فروخي، الذي تربط صداقة بين والده وبوتفليقة، والذي يبدو الأقرب للمنصب، ووزير المالية السابق محمد جلاب، والحاج العايب.
وفي الغالب، ومنذ اعتلائه سدة الحكم عام 1999، يسمي بوتفليقة رئيس البرلمان من نواب حزبه، "جبهة التحرير الوطني"، الذي يعد بوتفليقة رئيسًا له أيضًا. وعلى الرغم من أن الدستور يمنح رئيس البرلمان صفة الرجل الثالث في الدولة بعد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة، فإن رئيس البرلمان لا يمارس أية صلاحيات سياسية، وليس له أي حضور في مشهد الحكم وصناعة القرار السياسي والتشريعي، بفعل هيمنة الرئيس بوتفليقة والحكومة.
وقبل الوضع الراهن، شهد البرلمان الجزائري حالة إقالة واحدة لرئيس البرلمان، في نهاية عام 2003، إثر أزمة حادة مع رئيس البرلمان حينها، كريم يونس، الذي انشق برفقة رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، عن بوتفليقة، ما دفع الكتل البرلمانية الموالية لبوتفليقة لسحب الثقة منه، لكنه فضل تقديم استقالته من منصبه في الثامن من إبريل/ نيسان 2004، في خضم الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها بن فليس، بوتفليقة.