في السياق، أفادت مصادر محلية أن قوات النظام والمليشيات المساندة سيطرت أمس الخميس على قرى عابدين، حرش عابدين، مدايا، حرش الهبيط، مغر الحنطة، المردم، تل لارجي، جنوب إدلب، بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة، وباتت هذه القوات على أبواب قرى ركايا وكفرسجنة، وسط تمهيد مكثّف على قرى وبلدات النقير وركايا وسجنة. يأتي ذلك عقب سقوط قرى كفرعين، أم زيتونة، المنطار، تل عاس غرب مدينة خان شيخون جنوب إدلب، يوم الأربعاء، فيما يتواصل القصف الجوّي الكثيف مستهدفاً مدن وبلدات خان شيخون، التمانعة، ترعي، الأتوستراد الدولي، كفرسجنة، وسط نزوح كثيف للأهالي عن المنطقة.
وذكرت وكالة أنباء النظام "سانا" أن "وحدات من الجيش سيطرت على قرى كفرعين وخربة مرشد والمنطار وتل عاس بريف إدلب الجنوبي"، مضيفة أن متحدثاً عسكرياً اعترف بإسقاط طائرة حربية تابعة للنظام في منطقة التمانعة بريف إدلب الجنوبي الشرقي. وأوضح المصدر أن "الطائرة أُسقطت بصاروخ مضاد للطيران، حين كانت تنفذ مهمة عسكرية لتدمير مقرات جبهة النصرة"، غير أن فصائل المعارضة أكدت أنها أُسقطت بالمضادات الأرضية البسيطة بعد أن انخفضت خلال طيرانها لمسافة نحو كيلومترين ما أمكن إصابتها برشاش من طراز 23.5 ميليمتراً.
وأعلنت فصائل غرفة عمليات "الفتح المبين" القبض على الطيار في منطقة التمانعة. وقالت وكالة "إباء" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) إنه تم القبض على الطيار المقدم محمد أحمد سليمان، قائد طائرة "سوخوي 22". ونشرت الوكالة تسجيلاً مصوراً على قناتها في "تليغرام"، يظهر الطيار في قبضة الفصائل وهو يقول إنه من مرتبات اللواء 70 في الجيش، وكان في مهمة قتالية في منطقة خان شيخون حين أسقطت طائرته. وأفادت مصادر محلية أن مقاتلي الفصائل عثروا على الطيار فجر أمس بعد ساعات من إسقاط طائرته، وكان مختبئاً في أحد البساتين في مزارع بلدة التمانعة القريبة من مكان سقوط الطائرة.
وأعلنت غرفة عمليات "الفتح المبين" أنها تمكنت من تدمير دبابة من طراز "تي 72" لقوّات النظام على جبهة سكيك جنوب إدلب، بعد استهدافها بصاروخ موجّه، فيما تم استهداف قوات النظام بسيارة مفخخة على هذه الجبهة، إضافة الى استهداف رتل عسكري روسي مكون من 3 عربات قرب تل عاس. كما ذكرت مصادر محلية أن مقاتلي الفصائل شنّوا هجوماً معاكساً على المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام، ما أجبر الأخيرة على الانسحاب من قرية مدايا وسط تواصل الاشتباكات على محور عابدين.
وقالت مصادر محلية إن الفصائل استهدفت بكمين محكم مجموعة من "حزب الله" على أحد محاور جنوبي إدلب، وأوقعت عناصرها بين قتيل وجريح. كما تتواصل الاشتباكات على محور الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي، وسط محاولات جديدة من جانب قوات النظام للتقدم في المنطقة. وذكرت الفصائل أنها دمرت دبابة لقوات النظام على هذا المحور، كما قامت بعملية نوعية خلف خطوط قوات النظام أسفرت عن مقتل وجرح 15 عنصراً منها.
ويرى مراقبون أن تركيز قوات النظام هجماتها في محيط مدينة خان شيخون، هو محاولة تضييق الخناق على مقاتلي المعارضة فيها، لدفعهم للانسحاب منها، وإحكام الحصار على مدن ريف حماة الشمالي المتبقية بيد الفصائل، مثل مرك واللطامنة وكفرزيتا من جهة أخرى، بهدف دفعها للانسحاب أيضاً من دون قتال، تجنبا لمزيد من الخسائر البشرية في صفوفها، والتي تعتبر مرتفعة كثيراً حتى الآن، وزادت عن ألف قتيل بحسب مصادر المعارضة، رغم أن القتال يدور منذ أكثر من 3 أشهر في قرى وبلدات صغيرة نسبياً.
ورأى مدير مركز "جسور" للدراسات محمد سرميني، في حديث لـ"العربي الجديد" أن تركيز النظام على خان شيخون يعود إلى أسباب عدة، منها أنه لا يفضّل القضم البطيء والتقدم نحو مدن اللطامنة وكفرزيتا، لما يترتب على ذلك من خسائر عسكرية ومادية، ويميل إلى سيناريو تطويق هذه المدن، وتحقيق ذلك يُعتبر أسهل نسبياً عبر التوجّه نحو خان شيخون بعد أن سيطر على أغلب التلال الحاكمة في جهتها الغربية وأصبحت جبهاتها من محور الهبيط رخوة ومكشوفة. كما أن النظام يريد السيطرة على كامل القطاع الجنوبي لمنطقة خفض التصعيد، بهدف تأمين نقاط الانتشار العسكري الروسي في حماة وتأمين الطريق الواصل بين حماة والساحل.
وأضاف أن حصار المنطقة يساهم في عزل نقطة المراقبة التركية في مورك، وبالتالي الضغط على تركيا لإعادة النظر بشكل وكيفية وجودها العسكري في سورية، خصوصاً أن روسيا تفضل إدارة الطرق الدولية بشكل منفرد وليس بمشاركة تركيا، إذ أن تطويق القطاع الجنوبي عبر السيطرة على خان شيخون يوفر الوصول إلى الطريق الدولي "أم 5" وفرض سياسة أمر واقع حول إدارته وتأمينه.
كما لفت سرميني إلى أن روسيا ربما تستهدف من السيطرة على خان شيخون إعادة صياغة معالم جريمة الكيميائي التي تم اتهام النظام السوري فيها، رغم أن التقرير النهائي حول الجريمة قد صدر من الأمم المتحدة، لكن روسيا تحتاج لإظهار الواقع بشكل يخلي عنها أي مسؤولية لا سيما بعد إضافة معيار تحديد الجهة المسؤولة عن الاستهداف. فضلاً عن ذلك، إن هذه السيطرة ستضع روسيا وقوات النظام في وضع متقدم باتجاه جبال ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الغربي، وذلك في حال الرغبة في التقدم نحو بقية القرى والمدن في محافظة إدلب، أو على الأقلّ أن الوضع الجديد سوف يساعد روسيا على تفعيل ملف المصالحات بعد إتمام حصار المنطقة، مثلما فعلت ببقية مناطق خفض التصعيد، لتسهيل السيطرة على بقية قرى ومدن محافظة إدلب ومحيطها، من دون قتال.
ونوّه سرميني إلى أنه من خلال السيطرة على خان شيخون، تتطلع روسيا إلى عزل فصائل المعارضة عن بعضها البعض، لتقليل فاعليتها العسكرية وخلق حالة من الذعر والانكسار في صفوفها. وفي تفسير أسباب التقدم الذي حققته قوات النظام في الأيام الأخيرة، رأى مراقبون أن تلك القوات بالتعاون مع القوات الروسية اتّبعت للمرة الأولى أسلوب المعارك الليلية اعتباراً من منتصف الشهر الماضي، مع استعادة السيطرة على قرية الحماميات في ريف حماة الشمالي، وذلك بعكس أعوام الحرب الثمانية والتي كانت جلّ عملياتها العسكرية نهاراً، مما يعني هناك تغيّراً ملحوظاً في الإمكانيات العسكرية لهذه القوات. وقد بثت بعض الوكالات الإعلامية الروسية تقارير مصورة لها، أثناء تغطيتها تقدّم بعض القوات البرية الروسية الخاصة، مع قوات النظام على جبهات ريف حماة الشمالي ليلاً.
ورأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال في حديث لـ"العربي الجديد"، أن روسيا وفرت لقوات النظام تجهيزات ليلية يصعب كشفها بالعين المجردة، وهو ما مكّنها من اتباع أسلوب القتال الليلي، إضافة إلى إدخال قوات عسكرية جديدة ومدربة على العمليات العسكرية الليلية، كالقوات الروسية الخاصة التي قادت العمليات العسكرية الليلية بسبب جهوزيتها لمثل هذه العمليات. كما أشارت بعض المصادر العسكرية إلى أن مليشيا "الفيلق الخامس" استلمت أخيراً نحو 50 دبابة روسية من نوع "تي 90" مجهّزة للعمليات القتالية الليلية، وقد تم توزيعها على مجموعات الاقتحام التابعة للفيلق وباقي المليشيات.
في غضون ذلك، أطلق سوريون معارضون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم "الجيش الوطني أثبتوا وطنيتكم" طالبوا فيها فصائل ريف حلب المنضوية ضمن "الجيش الوطني" بالتوجه إلى جبهات إدلب. وقال رئيس الائتلاف المعارض الأسبق، خالد خوجة، عبر حسابه في "تويتر": "إذا لم يقم الجيش الوطني اليوم لمعركة التحرير وحماية إدلب فلن تكون له قائمة بعده". وفي تعليقه على هذه المطالب، قال المتحدث باسم "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، يوسف حمود إن "المطالبات عبر منصات الإعلام أمر غير مجد"، معتبراً أن تحرك القوى العسكرية على الأرض، يأتي بالطلب والتنسيق المشترك مع القيادات العسكرية في مدينة إدلب وريفها وريف حماة، وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعي.