وشارك في إعداد الورقة كلّ من أحمد برقاوي، جاد الكريم الجباعي، حازم نهار، خضر زكريا، زكي اللبابيدي، عبد الباسط سيدا، عبد الله تركماني، ماجد كيالي، محمود حمزة، ميشيل كيلو، يوسف سلامة، تحت عنوان "رؤية إلى واقع ومستقبل سورية".
وتكوّنت الورقة من عناوين تناقش مشكلات السياسة الراهنة وسبل حلولها، ومسار الماضي السياسي مع مراجعته بطريقة نقدية، والفكرة الجامعة السورية، وقضيّة التنوّع والاندماج، إضافةً إلى المرحلة الانتقالية في سورية.
وتحت عنوان "المشكلات الراهنة وسبل حلولها"، رأى الموقّعون أن مفاوضات جنيف، وجولاتها المتعددة في إقرار السلام والانطلاق في طريق الانتقال السياسي، قد فشلت بحكم سياسات النظام وإيران، وسياسات روسيا العسكرية وخيارات واشنطن الانكفائية، وضعف المعارضة السورية وتشتتها، ما أفقد لقاءات جنيف أي رابط بالتفاوض على حل سياسي.
وجاء في الوثيقة: "ابتكرت روسيا مقاربات تفاوض التفافية/تخديرية، تجسّدت في لقاءات أستانة وما تبعها من تعزيز الحل الأمني والعسكري الزاحف، والتهام مناطق المعارضة المسلحة واحدة بعد أخرى، وسط جهد عسكري روسي نوعي يؤكد استحالة الحل السياسي، الذي تعلن موسكو كذبًا تمسكها بحتميته".
وأضاف الموقّعون أن "مجريات الحوادث، تُشير إلى أن العالم لا يوافق على انفراد موسكو بالحل، وأنه لا حل في صورة أمر واقع روسي، ولا إمكان لحل روسي بالتحالف مع إيران والتعاون مع تركيا وتجاهل الغرب ومصالحه"، معتبرين أن "الحل دولي له طرفان: روسيا والغرب".
وشدّدت الوثيقة على "ضرورة إعطاء أولوية مركزية للإطار الفكري/السياسي الضروري لبناء قيادة وطنية تستطيع استعادة ثورة الحرية كرهان مجتمعي، من دون التخلي عن واجبنا في التصدي السياسي اليومي لما يواجه وطننا من أخطار خارجية معادية، وداخلية تنتمي إلى الثورة المضادة، وذلك عبر تمكين قوى التيار الديمقراطي لاحتلال مكانة حقيقية في سورية المقبلة، بحيث تكون له القدرة على تمثيل مصالح قطاعات وازنة من الشعب في ساحة السياسة العامة والحزبية".
وشدّدت الوثيقة، في بندها الثاني، على ضرورة إجراء "تقويم نقدي" للثورة السورية ومساراتها؛ لأن "الثورات التي لا تنتقد ذاتها، وتصحّح مساراتها، تنحرف أو تضيع أو تتبدّد طاقاتها وإنجازاتها".
وبحسب الوثيقة، فإن منطلقات تلك النظرة النقدية لماضي المعارضة السورية السياسي نابعة عدّة أسباب؛ يأتي على رأسها "انتهاج النظام العنف المدمر ضدّ شعبه، كما تفعل قوى الاحتلال الأجنبية، إضافةً إلى إشراك إيران ومليشياتها الطائفية المسلحة، ثم روسيا، في الصراع ضد السوريين، وتخاذل المجتمع الدولي في حماية السوريين، على الرغم من استخدام النظام الطائرات والقصف بالبراميل المتفجرة وبالكيميائي، للقتل وتدمير العمران وتشريد الملايين، إضافةً إلى طول أمد الثورة، واستعصاء أحوالها، فضلاً عن تلاعب بعض الدول بالثورة، بتوظيفها وفقًا لأجنداتها السياسية، وأخيراً استغلال تيار الإسلام السياسي في صوره المتطرفة لظروف وتعقيدات مسار الثورة، ما أدى إلى أخذ الثورة بعيدًا من الأهداف التي رسمتها لنفسها".
واعتبرت الوثيقة أن "هذه الأسباب مجتمعةً، أدّت إلى إخفاق كيانات المعارضة السورية في الحفاظ على سلامة مسار الثورة، إذ تجسّد ذلك في عدم التمسك بأهداف الثورة ومقاصدها الأساسية، وفشل الجهد الرامي إلى بناء كيان سياسي جبهوي جامع، تعترف الأطراف التي تشكله ببعضها بعضًا، بمشتركاتها واختلافاتها، وغياب التيار الوطني الديمقراطي، أو ضعف تمثيلاته، على الرغم من وجود شخصيات تعبر عنه، إلا أن مشكلتها أنها لم تشتغل ككتلة أو كتيار، بسبب تغليبها خلافاتها الشخصية والسياسية، على مشتركاتها، وتغييب أغلبية السوريين عن كيانات المعارضة السياسية والعسكرية، وعدم وجود شبكات للتوسّط بين الشعب والمعارضة، إضافةً إلى عدم اشتغال قوى الثورة والمعارضة حتى الآن على عقد مؤتمر وطني جامع يضم القوى الرافضة للاستبداد، المؤيدة للخيار الوطني الديمقراطي كخيار نهائي لسورية الجديدة".
ودعت الوثيقة، إلى فكرة جامعة جديدة للمعارضة السورية قائلةً: "على الرغم من كل المحاولات الرامية إلى تلطيخ سمعة الثورة السورية، ودمغها بوصمة الإرهاب من جانب النظام وحلفائه، فقد استطاعت الثورة أن تقدم إنجازات عظيمة، لم ينتبه إليها كثير من المحللين والمراقبين، ومن ثم لم تحظ بما تستحقه من الإبراز والتحليل".
واعتبرت الورقة أن الإنجاز الأكبر للثورة السورية سيظل متمثلًا في كشفها عن أن "الفكرة الجامعة" التي فرضها النظام على الشعب السوري بالحديد والنار قد شاخت وماتت.
ودعت إلى "ضرورة الانتقال السياسي إلى نظام جديد يتجاوز النظام السوري القائم بكل استبداده وديكتاتوريته"، موضحة أن المناقشات المتعثرة حول الانتقال السياسي لا تشير إلا لموت الأفكار التي حكم بها النظام سورية من جهة، وإلى تجاوز وعي السوريين عمومًا لهذه الأفكار من جهة أخرى.
وأوضحت أن من واجب السوريين الانخراط في إنتاج الأفكار التي من شأنها أن ترسم سبل العيش المشترك المفضي إلى مستقبل يتسم بالاستقرار السياسي والاقتصادي والتنمية المستدامة في الصعد كلها. وليس من شك في أن هذا الأمر مشروط بتبني آليتين لا بد منهما في كل عمل سياسي، ولكل توافق اجتماعي، وهما "الحوار والإجماع".
مبادئ أساسية للثورة السورية
وتحدّثت الورقة عن عدّة مبادئ أساسية للثورة السورية، يجب الأخذ بها في الحياة السياسية السورية، ومنها احترام حقوق الإنسان الذي يُعتبر أساس الدولة السورية الجديدة، ومساواة المرأة مساواةً كاملة مع الرجل في الحقوق والواجبات والتساوي في المواطنة، وتعزيز الانتماء إلى الهوية السورية، وحضارتها وتاريخها وقيمها بحيث تشكّل نسيجاً روحياً واجتماعياً واحداً.
ومن المبادئ هذه أيضاً: "الدولة المستقلة والسيدة والمحايدة، والتي تقوم على استقلال الدولة التام وسيادتها على إقليمها، واستقلال المشروع الوطني الديمقراطي عن سائر التجاذبات الإقليمية والدولية، وللشعب السوري وحده الحق في اختيار نظامه الاجتماعي الاقتصادي ونظام الحكم؛ دولة تقوم على كامل أراضيها ولا تتخلى عن أي جزء محتل منها، وتستخدم الوسائل المتاحة والمشروعة كافة لتحرير أراضيها على اعتبار أن الحقوق الوطنية لا تسقط بالتقادم (استعادة الجولان)".
كما ركّزت المبادئ على "الوطنية الديمقراطية الحديثة، التي تتجسّد في التزام المبادئ الفكريّة والسياسيّة والأخلاقيّة التي تتأسَّس عليها الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة، خصوصًا مبدأ العموميّة الذي يتجلَّى في الدستور والقانون العام، كون الأساس في الدولة المنشودة هو الوطنيّة/العموميّة".
ومن المبادئ أيضاً، "وحدة وحرية وسيادة الشعب السوري، انطلاقاً من أنَّ تاريخ سورية هو تاريخ كلِّ التنوُّع الثقافي والسياسي والديني والاجتماعي الغني فيها، وليس تاريخَ عرقٍ بعينه أو دينٍ أو مذهبٍ دون سواه. لكن أمام الدولة السوريّة هناك شعبٌ سوريٌّ، ومواطنٌ سوري".
وإضافة إلى ذلك، تحدّثت الوثيقة عن مبادئ أخرى؛ كـ"النظام الديمقراطي، والسلم الأهلي والعدالة، وتكافؤ الفرص، والجيش والأمن الوطنيان، والدولة الإيجابية في محيطها الإقليمي".