روسيا 2018: تراجع شعبية بوتين وسط الاستياء من تردي الأوضاع المعيشية

30 ديسمبر 2018
من الاحتجاجات على رفع سن التقاعد بموسكو (فيكتور كروتشينين/Getty)
+ الخط -

تميّز العام 2018، بتحوّل المزاج الشعبي في روسيا تجاه السلطة الحاكمة، وسط تراجع حاد لشعبية حزب "روسيا الموحدة"، بينما لم يسلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من تراجع نسبة تأييده إلى مستوى ما قبل ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، تحت وطأة الاستياء العام، من تراجع مستوى معيشة الأفراد والإصلاح، ورفع سن التقاعد.

وأظهر استطلاع أجراه مركز "صندوق الرأي العام" ونشرت نتائجه، في الأسبوع الأخير من العام المنتهي، أنّ 47% فقط من المستطلعة آراؤهم، كانوا سيصوّتون لصالح بوتين في حال أجريت الانتخابات الرئاسية الآن، وذلك مقابل حصوله على أكثر من 76% من أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مارس/آذار الماضي، وأسفرت عن فوزه بولاية جديدة مدتها ست سنوات.

أما نسبة المستعدين للتصويت لصالح حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، والذي يترأسه رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف، فانخفضت إلى 33% فقط، مقابل 46%، في نهاية الربيع الماضي.

وفي هذا الإطار، أجمع خبيران استطلع "العربي الجديد" آراءهما على أنّ تراجع شعبية السلطة يعود بالدرجة الأولى إلى استياء الروس من تردّي الأوضاع الداخلية والاقتصادية.

ويعتبر أندريه كوليسنيكوف، مدير برنامج "المؤسسات السياسية والسياسة الداخلية الروسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أنّ تراجع شعبية بوتين والحزب الحاكم، يعود إلى بدء مرحلة "خيبة الأمل" التي رسمتها صدمات رفع سن التقاعد وضريبة القيمة المضافة من 18 إلى 20% اعتباراً من العام الجديد، وزيادة أسعار الوقود، مجتمعة مع تشبّع الروس من أجندة السياسة الخارجية.

روسيا/احتجاجات رفع سن التقاعد/تراجع شعبية فلاديمير بوتين/صفا كراكان/الأناضول 



ويقول كوليسنيكوف لـ"العربي الجديد"، إنّه "على مدى السنوات التي تلت ضم القرم،  قَبِلَ السكان بدعم السلطة سياسياً مقابل استعادة الشعور بالانتماء إلى قوة عظمى، والحد الأدنى من العون الاجتماعي، رغم تراجع دخل الفرد الحقيقي لأربع سنوات متتالية".

وتابع: "ثم جاءت مرحلة خيبة الأمل وصدمات رفع سن التقاعد وضريبة القيمة المضافة، وخطط فرض ضريبة على أصحاب المهن الحرة، وزيادة أسعار الوقود".

وحول أسباب تراجع السياسة الخارجية على سلّم أولويات المواطن الروسي، يوضح كوليسنيكوف: "هناك تشبّع من أجندة السياسة الخارجية. باتت روسيا قوة عظمى من جديد، وحان الوقت لترتيب الأوضاع في الداخل وتمويل الشؤون الداخلية، بدلاً من إنفاق أموال دافعي الضرائب على القنابل ودعم الأنظمة المفلسة مثل (الاشتراكية البوليفارية) لـ نيكولاس مادورو في فنزويلا".

وبحسب دراسة حديثة بعنوان "التحوّل الخريفي في وعي الروس: موجة مؤقتة أم توجه جديد؟"، أوردتها صحيفة "فيدوموستي" أخيراً، فإنّ 58% من المستطلعة آراؤهم، اعتبروا أنّ السياسة الدولية الروسية "عدوانية بشكل مفرط"، فيما أعرب 46% عن تشاؤمهم من تدهور الأوضاع في البلاد، في السنوات الخمس المقبلة.

ويخلص كوليسنيكوف إلى أنّ "السلطة أخلّت بالعقد الاجتماعي، مما أدى إلى تراجع الثقة بها، ومن مؤشرات ذلك التراجع الكبير لشعبية السلطة ورموزها، بمن فيهم بوتين نفسه".

بدوره، يُرجع بوريس ماكارينكو رئيس مركز الدراسات السياسية في موسكو، هو الآخر، تراجع شعبية السلطة إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها روسيا، تحت وطأة تدني أسعار النفط، والعقوبات الغربية على خلفية الوضع في أوكرانيا، واصفاً الإعلان عن رفع سن التقاعد بأنّه "لم يكن سوى رفع اليد عن الزناد" لبوادر تراكمت منذ عام 2014.

ويقول ماكارينكو، لـ"العربي الجديد": "لم يكن إصلاح منظومة التقاعد سوى زناد تم إفلاته، بينما كانت البوادر المتمثلة في تراجع مستوى المعيشة، تتراكم منذ عام 2014".

وحول أسباب حصول بوتين على نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات، رغم استمرار تراجع الأوضاع المعيشية للمواطنين الروس لفترة طويلة، يضيف ماكارينكو: "تحلّى الروس بالصبر، ولم يعاقبوا السلطة أثناء الانتخابات، لكنّهم غيّروا مواقفهم بمجرد ورود خبر سلبي حول رفع سن التقاعد".


وكان بوتين قد وقّع، في بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الحزمة المثيرة للجدل من قوانين إصلاح منظومة التقاعد، بما يقضي بالرفع التدريجي لسن التقاعد من 55 إلى 60 عاماً للنساء، ومن 60 إلى 65 عاماً للرجال في روسيا.

وينصّ القانون الذي أثار احتجاجات واسعة، وأدى إلى تراجع شعبية السلطة في روسيا، على رفع سنّ التقاعد بمعدّل عام واحد سنوياً، خلال الفترة الانتقالية من عام 2019 إلى عام 2023.