في عام 2000 أطلق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ثلاث ورشات للإصلاح، في سياق مقاربته إعادة بناء الدولة وتعديل هياكلها ومؤسساتها ومنظوماتها، وشكّل لهذا الغرض لجنة لإصلاح العدالة، ولجنة إصلاح النظام التعليمي، ولجنة إصلاح هياكل الدولة.
بعد أشهر صاحبها جدل وكثير من التطاحن الأيديولوجي، طرحت هذه اللجان تصوراتها حول مكامن العطب في الدولة والعدالة والمدرسة، وقدمت إلى الرئيس أطروحاتها حول أدوات مكننة الإصلاح، واعتقد كثيرون أن البلد بصدد إعادة تأسيس منظومته المنتجة للقيمة ومؤسساته على أسس علمية ووظيفية تقطع مع الفوضى وتصحح الأدوات وتعدل التوجهات.
17 سنة بعد تنفيذ هذه الإصلاحات، يجوز الآن، إن لم يكن الأمر متأخراً، فحص نتائجها وتقدير مخرجاتها وتبعاتها، والسؤال عن كيف صارت المدرسة وما حال العدالة وإلى أين انتهت الدولة ومؤسساتها. لم يجر سابقاً أي تقييم للمآلات التي انتهت إليها هذه الورشات الثلاث الكبرى، لكن الوقائع والأرقام تقرّ بالخيبة والعبث الكبير الذي ستظهر تداعياته الكارثية في السنوات المقبلة بشكل أكثر فداحة.
خطة الرئيس لإصلاح التربية التي هندست لرفع نسبة النجاح في شهادة البكالوريا إلى 70 في المائة بعد 10 سنوات من بدء تطبيق المناهج الجديدة، لم تنجح بعد عقد ونصف العقد في تجاوز عتبة 50 في المائة، وأنتجت جيلاً معطوباً، لغوياً ومعرفياً، بسبب فوضى المناهج، فضلاً عن وجود مليون تلميذ بصفر في اللغة الأجنبية.
كذلك فإن خطة الرئيس لإصلاح العدالة لم تحقق استقلالية للقضاء ولم تقطع مع الممارسات نفسها في إدارة المؤسسة العدلية بالتعليمات بدل القانون وبالهاتف بدل الضمير. تقرّ التقارير السنوية للمرصد الحكومي لحقوق الإنسان سابقاً (أصبح اسمه منذ 2017 المجلس الوطني لحقوق الإنسان) بأن "القضاء لا يزال مكبلاً بضغوط الوصاية السياسية وتلك أكبر الخيبات". أما خطة الرئيس لإصلاح الدولة فإنها ألغت الدولة نفسها وأسست للحكم الفردي ومركزة القرار وهشّمت ما كان قد تبقى من هامش الفعل والصورة لمؤسسات الدولة، من الرئاسة إلى البرلمان، ومن الحكومة إلى البلدية.
لا يمكن أن يحاسب نظام سياسي، بنفس منطق محاسبة البنائين، عن عدد المحاكم التي أنشأها طول فترة الحكم، بل بمقدار العدالة المؤسسة والاستقلالية الفعلية للقضاء. كما لا يمكن لنظام أن يفاخر بعدد المدارس التي أنشأ أو الجامعات التي أنجز، في مقابل خواء علمي ومعرفي ومخرجات بائسة للمؤسسة التعليمية. ولا يُسأل نظام وحاكم ورئيس عن عدد الاستحقاقات الانتخابية التي نفذها، بقدر ما يذهب السؤال باتجاه المعنى السياسي والسلطة التي تملكها هذه المؤسسات المنبثقة عن استحقاق انتخابي، سواء أكانت برلماناً أم مجلساً بلدياً. بعد أربعة عهود رئاسية، ثلاثة أسئلة كبرى تطرح نفسها الآن في الجزائر، حول الدولة والعدالة والمدرسة، والمآلات المخيبة للإصلاح ستؤسس لما بعدها، وللأفق المشوش على أكثر من صعيد.
17 سنة بعد تنفيذ هذه الإصلاحات، يجوز الآن، إن لم يكن الأمر متأخراً، فحص نتائجها وتقدير مخرجاتها وتبعاتها، والسؤال عن كيف صارت المدرسة وما حال العدالة وإلى أين انتهت الدولة ومؤسساتها. لم يجر سابقاً أي تقييم للمآلات التي انتهت إليها هذه الورشات الثلاث الكبرى، لكن الوقائع والأرقام تقرّ بالخيبة والعبث الكبير الذي ستظهر تداعياته الكارثية في السنوات المقبلة بشكل أكثر فداحة.
خطة الرئيس لإصلاح التربية التي هندست لرفع نسبة النجاح في شهادة البكالوريا إلى 70 في المائة بعد 10 سنوات من بدء تطبيق المناهج الجديدة، لم تنجح بعد عقد ونصف العقد في تجاوز عتبة 50 في المائة، وأنتجت جيلاً معطوباً، لغوياً ومعرفياً، بسبب فوضى المناهج، فضلاً عن وجود مليون تلميذ بصفر في اللغة الأجنبية.
كذلك فإن خطة الرئيس لإصلاح العدالة لم تحقق استقلالية للقضاء ولم تقطع مع الممارسات نفسها في إدارة المؤسسة العدلية بالتعليمات بدل القانون وبالهاتف بدل الضمير. تقرّ التقارير السنوية للمرصد الحكومي لحقوق الإنسان سابقاً (أصبح اسمه منذ 2017 المجلس الوطني لحقوق الإنسان) بأن "القضاء لا يزال مكبلاً بضغوط الوصاية السياسية وتلك أكبر الخيبات". أما خطة الرئيس لإصلاح الدولة فإنها ألغت الدولة نفسها وأسست للحكم الفردي ومركزة القرار وهشّمت ما كان قد تبقى من هامش الفعل والصورة لمؤسسات الدولة، من الرئاسة إلى البرلمان، ومن الحكومة إلى البلدية.
لا يمكن أن يحاسب نظام سياسي، بنفس منطق محاسبة البنائين، عن عدد المحاكم التي أنشأها طول فترة الحكم، بل بمقدار العدالة المؤسسة والاستقلالية الفعلية للقضاء. كما لا يمكن لنظام أن يفاخر بعدد المدارس التي أنشأ أو الجامعات التي أنجز، في مقابل خواء علمي ومعرفي ومخرجات بائسة للمؤسسة التعليمية. ولا يُسأل نظام وحاكم ورئيس عن عدد الاستحقاقات الانتخابية التي نفذها، بقدر ما يذهب السؤال باتجاه المعنى السياسي والسلطة التي تملكها هذه المؤسسات المنبثقة عن استحقاق انتخابي، سواء أكانت برلماناً أم مجلساً بلدياً. بعد أربعة عهود رئاسية، ثلاثة أسئلة كبرى تطرح نفسها الآن في الجزائر، حول الدولة والعدالة والمدرسة، والمآلات المخيبة للإصلاح ستؤسس لما بعدها، وللأفق المشوش على أكثر من صعيد.