بن سلمان بنسخته الأميركية: ترويج لانفتاح كما تحبّه واشنطن

05 ابريل 2018
يصوّر بن سلمان نفسه كشاب متحرر وليبرالي (Getty)
+ الخط -
بعد أقل من شهر على مقابلته الشهيرة في برنامج 60 دقيقة على قناة "سي بي إس" الأميركية، عاد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للظهور الإعلامي هذه المرة عبر مقابلة صحافية مع مجلة "ذا أتلانتك" الأميركية، وتحدث فيها للصحافي الأميركي جيفري غولدبيرغ عن الصراع مع إيران و"الإخوان المسلمين"، وعن نظام الحكم والأنظمة الاجتماعية في البلاد، وعن الاتهامات التي توجّه للسعودية بدعم الإرهاب، و"عملية السلام" مع إسرائيل.

وبدأ ولي العهد اللقاء بمحاولة توضيح مفهوم الإسلام من وجهة نظره للأميركيين، فقال إن الإسلام يعني السلام، ثم هاجم "مثلث الشر" حسب وصفه، وهم إيران و"الإخوان المسلمون" و"القاعدة"، وقال إنهم ينوون تأسيس إمبراطوريات ليحكموا العالم من خلالها، وهو أمر مخالف لمواثيق وقوانين الأمم المتحدة. وشبّه المرشد الإيراني علي خامنئي، بالزعيم النازي أدولف هتلر، كما شبّه ظروف المنطقة اليوم بظروف أوروبا ما قبل الحرب العالمية الثانية حينما لم ينتبه الكثيرون لخطر هتلر.

وفي إطار تعريفه للإسلام، نفى بن سلمان أي وجود لما يسمى بالوهابية، وقال إن "لا أحد يستطيع تعريف الوهابية وليس هناك ما يسمى بالوهابية في السعودية أو في غيرها"، وهو أمر فاجأ الكثير من المراقبين خصوصاً أن السعودية قد بنيت على يد رجلين، أحدهما محمد بن عبدالوهاب نفسه، والذي تولى أبناؤه في ما بعد كافة المناصب الدينية حتى اليوم، مطبّقين تعاليمه بكل دقة.

ثم عرّج بن سلمان على قصة تأسيس السعودية التي أضاف إليها الكثير من التفاصيل غير الدقيقة، إذ قال إن عائلته أسست بلدة صغيرة من الصفر اسمها الدرعية قبل 600 سنة للتجارة وتمكّنت بفضل شبكة من العلاقات التجارية من توسعتها ثم الحرب لضم المزيد من الأراضي وتوحيد ما بات يُعرف اليوم بالسعودية، وإنها استعانت بعقول عظيمة منها محمد بن عبدالوهاب الذي بات يُعرف بأنه مؤسس الوهابية. وكان من الواضح أن بن سلمان من خلال تلك القصة يحاول إضفاء هالة أسطورية على الدولة القديمة، محاكياً الخطاب الأميركي في تأسيس الولايات المتحدة على يد الآباء المؤسسين.

كما أنه دافع عن السعودية في وجه الاتهامات القائمة على تمويل الإرهاب، وقال إن حكومة بلاده اضطرت مع الأميركيين للتعامل مع "الإخوان المسلمين" وبقية جماعات الإسلام السياسي لوقف المد الشيوعي أثناء الحرب الباردة، وإنه جرت محاولات لتقويم هذه الجماعات الإسلامية لكنها لم تستجب.


وبدا من الواضح خلال اللقاء أن ولي العهد السعودي استطاع بفضل الخبراء الإعلاميين الأميركيين التابعين له، تكوين نظرية واضحة وسردية بسيطة حول السعودية يمكن تقديمها للرأي الغربي والأميركي حول الإسلام وعلاقة السعودية به، ونظرة الأمير للقضايا الاجتماعية مثل المرأة والحريات ومكافحة الإرهاب، وصراع بن سلمان مع إيران. وقدّم هذه السردية في نقاط عدة، أولها أن السعودية كانت تملك إسلاماً معتدلاً يعطي للمرأة حقوقها، لكن الدولة تعرضت للاختطاف من قبل التيارات الإسلامية التي كانت خارج السعودية وجاءت إليها بعد عام 1979 واضطرت الدولة إلى مسايرتها "خوفاً منها"، وأن الحكومة الآن استفاقت وقررت محاربة هؤلاء "الأشرار". وثانيها أن الخطر الحقيقي يتمثّل في إيران دون غيرها، وثالثها أنه رجل أعمال لا يمانع عقد صلح مع إسرائيل بشرط وجود مكاسب لجميع الأطراف، وأنه لا يؤمن بمعاداة السامية أو التصريح بعدم وجود حق للإسرائيليين في أرضهم.

ويحاول بن سلمان من خلال الخطاب الإعلامي الذي يقدّمه، استغلال نقاط قوته لدى المجتمع الأميركي، وهي أنه شاب متحرر وليبرالي، يُقدّم خطاباً ثقافياً منفتحاً، كما أنه جريء ومغامر ومبتكر، وشبّه نفسه أكثر من مرة بستيف غوبز مؤسس شركة "آبل"، ومارك زوكربيرغ مؤسس "فيسبوك"، وأنه رجل يحاول تصحيح أخطاء وماضي عائلته في دعم الإرهاب الذي كان لمصلحة تامة. ولي العهد السعودي لم يهاجم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بشكل واضح، لكنه قال إن لديه اختلافات معه في طريقة التعامل مع إيران، وإن الحل الأنجع معها هو المواجهة وليس السلام.

وبرر بن سلمان خلال هذه المقابلة، الملكية المطلقة التي تعيشها السعودية، وقال في خطاب استشراقي واضح، إن الملكية المطلقة مفيدة للولايات المتحدة كما هو الحال مع الملكية الفرنسية التي دعمت الثورة الأميركية، كما أن "لدينا نظاماً معقداً" في السعودية لا يشبه أميركا، وأن الغاية هي تطبيق القانون وطريقتها تختلف من مكان إلى آخر.

وتجاوز بن سلمان أهم نقطتين في الحوار بعبارات سياسية ودبلوماسية، هما السلام مع إسرائيل والحرب الدموية التي يخوضها مع اليمن، وبرر الحرب هذه المرة بانهيار الدولة اليمنية ووجوب التدخّل لإعادة الأمور إلى نصابها هناك وعدم السماح لـ"القاعدة" بتكوين جبهة في اليمن، متجاهلاً الهجوم على إيران من بوابة اليمن هذه المرة. وفي ما يتعلق بـ"عملية السلام" مع إسرائيل، بدا بن سلمان مغازلاً للوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة، فقال إن لا مكان لمعاداة السامية في بلاده خصوصاً أن النبي تزوج يهودية وكان لديه أصدقاء يهود، كما أن لليهود حق العيش على أرضهم وللفلسطينيين حق العيش على أرضهم أيضاً، وأنه على استعداد لإقامة علاقات تجارية وسياسية مع إسرائيل بشرط السلام. ويُعدّ هذا التصريح هو الأول من نوعه لمسؤول سعودي بارز في هذا الحجم حول العلاقات مع إسرائيل في حال "عملية السلام"، التي يدفع مسؤولون سعوديون باتجاهها بخطوات حثيثة، وذلك للتفرغ لما سموها "المواجهة الموحّدة ضد إيران".