ولفتت المجلة إلى أن النقاشات حول الاتفاق النووي الإيراني طغت على نقاشات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال لقائهما الأخير في واشنطن، حيث اتفق الطرفان على خطورة المشروع النووي الإيراني على أمن إسرائيل.
ولفتت المجلة إلى أن هذه الرؤيا تعتمد على قناعة مسؤولي الاستخبارات الإسرائيليين القديمة والدائمة بأن إيران تسعى لحيازة القنبلة الذرية مهما كلف الأمر، وأنها ستحقق هذا الهدف ما لم يتم تغيير العقل الإيراني أو تغيير الأشخاص الذين يشكلون الهوية السياسية لإيران.
وقالت المجلة في تقريرها إن تامير باردو، وهو الرجل الأيمن لرئيس "الموساد" مئير داغان في عام 2003، حين بدأت إيران مشروعها النووي، يعتقد أن لدى إسرائيل ثلاثة خيارات؛ أولها غزو إيران عسكرياً، والثاني إحداث تغيير في النظام في إيران، أما الثالث فهو إقناع القيادة السياسية الحالية بأن الثمن اللازم لمواصلة المشروع النووي أكبر من المكاسب الناتجة عن وقفه. وبما أنّ الخيارين الأول والثاني غير واقعيين، فلم يبق سوى الخيار الثالث وهو اتخاذ إجراءات علنية وسرّية من شأنها الضغط بشدّة على قادة إيران، حتى يقرروا التخلي عن البرنامج النووي.
وبحسب المجلة، كان داغان موافقا على خطة باردو وطورها إلى مقاربة جريئة خماسية الأضلاع:
الضغط الدبلوماسي الدولي الثقيل، والعقوبات الاقتصادية، ودعم الأقليات الإيرانية وجماعات المعارضة لمساعدتها على الإطاحة بالنظام، وتعطيل شحنات المعدات والمواد الخام النووية، وأخيرا العمليات السرية، بما في ذلك تخريب المنشآت وعمليات الاغتيال المستهدفة للشخصيات الرئيسية في البرنامج النووي.
وبالفعل، تقول المجلة، تمكّنت إسرائيل، ولا سيما عناصرها السرّية، من اغتيال العلماء الإيرانيين، وحققت "نجاحا مذهلا"، بحسب المجلة. فاستناداً إلى مقابلات مع مصادر إسرائيلية وأميركية وبريطانية وألمانية وفرنسية رفيعة المستوى، من الممكن القول إن إسرائيل نفذت أكبر عملية استخبارية وسياسية ودبلوماسية على الإطلاق من أجل وقف مشروع بلد يهدف لتطوير أسلحة الدمار الشامل. وكانت إحدى نتائج هذه العملية قبول إيران النهائي للحدود المفروضة على برنامجها النووي المنصوص عليه في اتفاق عام 2015 مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لأعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين بالإضافة إلى ألمانيا.
كانت الخطة الإسرائيلية تتمثل بـ"سلسلة من العمليات الدقيقة التي تهدف إلى تغيير الواقع" على حد تعبير داغان، وذلك بهدف تأجيل المشروع قدر المستطاع، إلى أن تتسبب العقوبات في خلق أزمة اقتصادية خطيرة من شأنها إجبار قادة إيران على إسقاط المشروع النووي أو أن أحزاب المعارضة ستكون قوية بما فيه الكفاية للإطاحة بالحكومة الإيرانية.
ولإنجاح الخطة تم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الرباعي بين وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومكتب الأمن القومي الأميركي و"الموساد" وجهاز المخابرات العسكرية العامة الإسرائيلية "أمان" من خلال اتفاق تعاون بين قادة البلدين في ذلك الوقت، الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يهدف لتبادل المعلومات الاستخباراتية.
كما أطلقت وكالات الاستخبارات الأميركية ووزارة الخزانة، إلى جانب وحدة "سبير" التابعة للموساد والمتخصصة في الحرب الاقتصادية، حملة شاملة من التدابير الاقتصادية لإضعاف المشروع النووي الإيراني. كما شرعت الدولتان في محاولة لتحديد المشتريات الإيرانية من المعدات اللازمة للمشروع، ولا سيما المواد التي لا تستطيع إيران تصنيعها، بهدف وقف الشحنات ومنعها من الوصول إلى وجهتها. استمر هذا الأمر لسنوات خلال فترة إدارة بوش إلى عهد باراك أوباما، بحسب "بوليتيكو".
لكن الإيرانيين كانوا عنيدين. وفي يونيو/حزيران 2009، اكتشف "الموساد"، بالاشتراك مع المخابرات الأميركية والفرنسية، أنهم بنوا منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم تم دفنها تحت جبل قرب مدينة قم. بعد ثلاثة أشهر، أصدر الرئيس أوباما إعلاناً يكشف ويدين مصنع التخصيب الخفي، وتم تشديد العقوبات الاقتصادية أكثر.
أما على المستوى السري، فقد تمكنت عمليات التخريب المشتركة الإسرائيلية الأميركية أيضا من إنتاج سلسلة من الأعطال في المعدات الإيرانية المقدمة للمشروع النووي، حيث توقفت حواسيب عن العمل، وتم إحراق محولات. أما أجهزة الطرد المركزي فلم تعمل بشكل صحيح. وفي أكبر وأهم عملية مشتركة بين الأميركيين والإسرائيليين ضد إيران، والتي أطلق عليها اسم "الألعاب الأولمبية" ، تسببت فيروسات الكمبيوتر، التي أصبح أحدها يعرف باسم Stuxnet، في إلحاق أضرار بالغة بآلية تخصيب اليورانيوم بالمشروع النووي الإيراني.
أما العنصر الأخير في خطة داغان، وهو القتل المستهدف للعلماء الإيرانيين، فقد تم تنفيذه من قبل "الموساد" وحيدا، حيث قام الأخير بتجميع قائمة تضم 15 باحثًا رئيسيًا كأهداف للتخلص منها.
في 14 يناير/كانون الثاني عام 2007، توفي الدكتور أردشير حسين بور وهو العالم النووي البالغ من العمر 44 عاما، و الذي كان يعمل في مصنع أصفهان لليورانيوم، في ظروف غامضة. الإعلان الرسمي عن وفاته أشار إلى أنه اختنق "في أعقاب تسرب غاز"، لكن المخابرات الإيرانية كانت مقتنعة بأنه كان ضحية للإسرائيليين.
وفي 12 يناير/كانون الثاني عام 2010، في الساعة 8:10 صباحاً، غادر مسعود محمد منزله في حي ثري في شمال طهران متجها نحو سيارته وعندما فتح بابها انفجرت دراجة نارية مفخخة كانت مركونة في مكان قريب مما أدى إلى مقتله، بحسب ما تروي المجلة. وهذا العالم حاصل على درجة الدكتوراه في مجال فيزياء الجسيمات الأولية في عام 1992 من جامعة شريف للتكنولوجيا، وأصبح محاضرا هناك. في وقت لاحق انضم إلى المشروع النووي حيث كان واحدا من كبار العلماء.
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، قام اثنان من راكبي الدراجات النارية بتفجير سيارات شخصيتين بارزتين فى المشروع النووي الإيراني من خلال لصق ألغام على السيارات. وقد قُتل الدكتور ماجد شهرياري جراء الانفجار الذي وقع في سيارته، فيما تمكن فريدون عباسي دافاني وزوجته التي كانت في السيارة أيضاً من الفرار من سيارته قبل أن تنفجر مباشرة خارج جامعة شهيد بهشتي.
وتقول المجلة إنه سرعان ما أدرك الإيرانيون أن جهة ما كانت تقتل علماءهم فبدأت بحراستهم عن كثب، خصوصا رئيس مجموعة الأسلحة، محسن فخري زاده، الذي كان يعتبر العقل المدبر وراء المشروع النووي. وقام الإيرانيون بنشر سيارات مليئة برجال الشرطة حول منازل العلماء، مما جعل حياتهم كابوساً وروعهم مع عائلاتهم.
كما كان لسلسلة العمليات تأثير إضافي، لم تقم إسرائيل بقصده لكنه جاء في صالحها، بحسب المجلة، حيث بدأت إيران تخشى من أن إسرائيل قد اخترقت صفوفها، وبالتالي كرست جهودا ضخمة لتحديد مواقع الاختراق. كما أصبح الإيرانيون مصابين بجنون الارتياب إزاء احتمال تزوير أو فساد المعدات والمواد التي حصلوا عليها في السوق السوداء لمشروعهم النووي مقابل مبالغ مالية كبيرة جدًا، وقد أدى كل ذلك إلى تباطؤ كبير في تقدم المشروع النووي ككل، بحسب المصدر نفسه.
وبعد خلافات بين نتنياهو وداغان، تمت إقالة رئيس "الموساد" ليخلفه نائبه باردو الذي تابع نفس نهج سلفه، فيما يخص المشروع الإيراني النووي.
وفي يوليو/تموز 2011، تبع سائق دراجة نارية العالم داريوش رزاي نجاد وهو دكتور فيزياء نووية وباحث كبير في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، حتى وصل إلى نقطة قريبة من معسكر الإمام علي أكثر القواعد المحصنة للحرس الثوري، والذي يحتوي على منطقة تخصيب اليورانيوم وهناك سحب راكب الدراجة النارية مسدسا وأطلق الرصاص على رضائي نجاد.
وتنقل المجلة عن معلومات وصلت إلى "الموساد" أن هذه العمليات تسببت في "انشقاق أبيض" أي أن العلماء الإيرانيين، كانوا خائفين للغاية لدرجة أن كثيرين طلبوا نقلهم إلى مشاريع مدنية.
وترى المجلة أن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية نجحت مع الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على إيران، والتي تزامنت مع دعم المعارضة الإيرانية بإرغام الحكومة في طهران على توقيع الاتفاق النووي عام 2015، والذي وضع منشآتها النووية تحت رقابة لا تستطيع إيران معها انتاج أسلحة نووية، بحسب زعمها.