أثار تصريح مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، بأنه سيغادر سفارة الإكوادور في لندن قريباً، الكثير من التسؤلات والتكهنات حول الدوافع وراء قراره المفاجئ هذا. فبعد 26 شهراً من الاختباء في سفارة الإكوادور، الدولة التي منحت أسانج حق اللجوء، ليتفادى ترحيله إلى السويد التي أصدرت بحقه مذكرة توقيف دولية بتهم اغتصاب وتحرش جنسي، ظهر الرجل بوجه شاحب وملتحٍ، وقد غزا شعره الذهبي الشيب، ليقول إنه سيغادر السفارة "قريباً"، نافياً أن يكون قد قرر الرحيل لأسباب ذكرتها وسائل إعلام بريطانية أفادت بأنه يعاني من مشاكل صحية.
وكانت قناة "سكاي نيوز" البريطانية، قد ذكرت أن الحالة الصحية لمؤسس "ويكيليكس" تدعو إلى القلق، لأنه أصبح يعاني من أمراض في القلب والرئة، بإلاضافة الى تدهور في الرؤية وارتفاع في ضعط دم، وعزت سبب ذلك إلى العزلة التي يعيشها أسانج، بإلاضافة الى عدم تعرضه لأشعة الشمس طيلة أكثر من سنتين، منذ أن اتخذ السفارة ملجأً له.
وبعد أن تضاءلت الأضواء المسلطة على أسانج بسبب طول فترة اختبائه في السفارة، كما أن الفضائح التي سربها العميل المتقاعد السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إدوارد سنودن، أخذت تثير اهتمام الكثيرين، يعود أسانج ليستقطب الأضواء من جديد، بإعلان قراره مغادرة السفارة.
يبقى السؤال المطروح: ما الذي دفع أسانج إلى الظهور ليصدر مثل هكذا تصريح؟
لقد فسر البعض قرار أسانج بأنه قد يكون متفائلاً بالتغيرات الجديدة التي طرأت على قانون الترحيل البريطاني، والتي شملت المشتبه بهم الذين لم تصدر بحقهم أحكام في البلدان التي تطالب بترحيلهم. وهذا يعني أن هذه التغييرات تنطبق على أسانج، خصوصاً لأن القانون السويدي يقضي بعدم إصدار أحكام على المشتبه بهم، إلا بعد إلقاء القبض عليهم. ومع ذلك، يؤكد خبراء قانونيون أن التغييرات الجديدة في القوانين البريطانية حول الترحيل، لا تنطبق على أسانج، لأنه يخضع للقوانين التي كانت سارية في 2012. ونسبت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في عددها الصادر يوم الاثنين، إلى الخبير القانوني، كارل غاردنر، قوله حول وضع أسانح القانوني، إنه "ميؤوس منه"، فيما أكد مسؤول في وزراة الداخلية البريطانية، أن أسانج "استنفد جميع سبل الطعون".
وقد يتفق البعض مع وزير خارجية الإكوادور، ريكاردو باتينو، الذي حضر المؤتمر الصحافي، عن أنه لا يحق للسلطات البريطانية ترحيل أسانج لأن التغييرات الجديدة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي على قانونه حول قضايا الترحيل، والصادرة في 2003، تنطبق على أسانج. وتقضي القوانين الجديدة هذه بمنع اعتقال المشتبه بهم الذين لم تصدر بحقهم أحكام قضائية في البلدان التي تطالب بترحيلهم إليها.
ولكن هناك الكثير ممن يعارضون هذه الرؤية، منطلقين من جدلية أن عدم إصدار القضاء السويدي أحكاماً بحق أسانج، جاء بسبب عدم حضوره المحاكمة، ولهذا يحق للسلطات البريطانية ترحيله إلى السويد. ويرجح في الوقت الحاضر واحد من السيناريوهين لإنهاء وضع أسانج المتأزم:
الأول: أن يغادر أسانج السفارة الأكوادورية فتعتقله الشرطة البريطانية وترحله الى السويد. وقد يبدو هذا السيناريو بعيداً نظراً لأن السبب الرئيسي الذي دفع أسانج إلى الاحتماء في السفارة طوال الشهور الماضية، هو خشيته من أن تسلمه السلطات السويدية إلى الولايات المتحدة التي قد تصدر بحقه أحكاماً تصل إلى حد الاعدام بسبب نشره وثائق سرية عسكرية خاصة بها.
أما السيناريو الثاني، فينص على أن يغادر أسانج السفارة بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة البريطانية يقضي بعدم ترحيله الى السويد. وكان هذا السيناريو الأقرب لولا تأكيد الحكومة البريطانية، أمس الثلاثاء، أن موقفها المتعلق بـ"الامتثال إلى قوانينها، وإعادة أسانج إلى السويد، واضح للغاية".
قد تكون هناك سيناريوهات أخرى لا يمكن التكهن بها في الوقت الحاضر، ولكن المؤشرات تفيد بأن مغادرة أسانج السفارة لن يكون "قريباً"، كما صرح في مؤتمره الصحافي.