مصر: حملة دعاوى قضائية لحل جهاز الأمن الوطني

06 يوليو 2016
ينتهك جهاز الأمن الوطني الدستور ويعتدي على الحريات (الأناضول)
+ الخط -
ممارسات القمع والتعذيب والاعتقال والتضييق على الحريات والتنكيل والتحكم في مفاصل الدولة وفي كافة الشؤون السياسية في مصر، كلها شكلت قواعد عمل جهاز أمن الدولة حتى اندلاع "ثورة 25 يناير"، التي أسست لمرحلة تخللها حل هذا الجهاز نتيجة الجرائم والانتهاكات المتراكمة التي كان يرتبكها والتي كانت السبب الرئيسي لاندلاع الثورة.

بعد الثورة، تم إنشاء جهاز أمني جديد باسم "جهاز الأمن الوطني"، ليحل مكان جهاز أمن الدولة، إلا أنه تبيّن منذ تأسيس الجهاز الجديد وحتى الآن، أن التجاوزات والانتهاكات المخالفة لحقوق الإنسان لا تزال قائمة، وكأن وزارة الداخلية قامت فقط باستبدال اسم بآخر، من دون أي تعديل في سلوك أجهزتها الأمنية وأدائها.

هذا ما تشير إليه الدعاوى القضائية المرفوعة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري، والتي حصلت "العربي الجديد" على نسخ منها. وهناك ثلاث دعاوى قضائية، أبرزها وأحدثها الدعوى التي تقدم بها أخيراً المحامي والكاتب والناشط الحقوقي صالح حسب الله، وتحمل الرقم (49811 لسنة 79 ق).

نبذة تاريخية
قبل ثورة يوليو/ تموز 1952، كانت اختصاصات مباحث أمن الدولة، منوطة بجهاز يعرف باسم "القلم المخصوص" أو "القسم السياسي" أو "القلم السياسي". مقره المركزي كان في القاهرة، إضافة إلى فروع له في المحافظات. وتميّزت طبيعة عمل هذا الجهاز في العداء للمواطن والعمل لصالح الملك والسفارة البريطانية في القاهرة آنذاك.

وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، صدر قرار بإنشاء الجهاز الجديد وسُمي "إدارة المباحث العامة". وتولى البكباشي أحمد رأفت النحاس إدارته، وكان ذلك في 22 أغسطس/ آب 1952. ولعبت هذه الإدارة دوراً قوياً في كبت حريات الشعب والتنصت على مكالمات كثير من كبار الدولة وصغارها، وكان أحد أهم "مراكز القوى" في تلك الحقبة.

وبعد ثورة التصحيح في مايو/ أيار 1971، تم تغيير الاسم من المباحث العامة إلى "مباحث أمن الدولة"، وذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، إلا أن نفوذ الجهاز وانتهاكاته استمرت وتفاقمت مع مرور الأيام والسنين، حتى باتت تتسم بطابع "وحشي" في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. وشكلت انتهاكات الجهاز أحد أهم أسباب اندلاع الثورة، التي لم يتردد خلالها الثوار المصريون بمحاصرة فروع الجهاز واقتحام بعضها وحرق بعضها الآخر، إلى أن صدر في 15 مارس/ آذار 2011، قرارٌ من المجلس العسكري وقتها، بحل جهاز أمن الدولة، وإنشاء جهاز موازٍ له باسم "جهاز الأمن الوطني".

الدعاوى القضائية اليوم
أحدث وأهم الدعاوى المقامة أمام مجلس الدولة، في هذه الأيام، تختصم (تدعي على) رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، ووزير الداخلية مجدي عبدالغفار، ووزير العدل حسام عبدالرحيم، فهي تطالب بإلغاء قرار إنشاء جهاز الأمن الوطني، أي "حل الجهاز"، وكل ما يتعلق بتطبيق القرار وما يترتب عليه من آثار، مثل مقرات الجهاز، والضباط العاملين فيه، وتوزيعهم في حالة صلاحيتهم على قطاعات الوزارة أو إقالتهم في حالة عدم الصلاحية.


وتذكر الدعوى القضائية أن اختصاصات جهاز الأمن الوطني حالياً، هي ذاتها اختصاصات جهاز أمن الدولة سابقاً، إذ يختص الجهاز حالياً بكافة الجرائم التي تضر بأمن الحكومة من جهة الخارج، ومن جهة الداخل. وتضيف أن جهاز الأمن الوطني، وفقاً للقانون في نص المادة 1588 من الإجراءات الجنائية والتي نصت صراحة على أن "أمن الدولة" مختص بجميع الجرائم سواء كانت جنحاً أو جنايات والتي تضر بأمن الحكومة، هو جهاز معني بالتالي بأمن الحكومة وليس بأمن الشعب، وغالباً ما يحدث تضارب بين المفهومين، فأمن الحكومة هو مفضّل على أمن الشعب، في هذا الجهاز، وخير شاهد على ذلك أحداث ثورة 25 يناير.

وتوضح الدعوى أن جهاز الأمن الوطني يختص بالتحقيق والتحري عن التظاهرات والإضرابات، ومراقبة الجامعات وسير التعليم في المعاهد والجامعات، وفي السابق كان يتم تعيين اتحادات الطلاب بمعرفة أمن الدولة. وهذا هو الوضع حالياً، ذلك أن هذا الجهاز يتحكم بأنشطة الجامعات، فضلاً عن وجود قسم النشاط الديني، الذي يتبع لجهاز أمن الدولة بفرض رقابته على أئمة المساجد، ناهيك عن الرقابة المفروضة على الأحزاب السياسية وعلى الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب.

ويتدخل الأمن الوطني في كل نواحي الحياة العامة. وتفيض الأمثلة في هذا الشأن. وقبل التعيين في الهيئات القضائية، أو النيابة العامة أو جهاز الشرطة أو الجيش، أو حتى الهيئات الحكومية العادية، يجب أن يجري جهاز أمن الدولة، "الأمن الوطني"، تحرياته على المتقدم لشغل هذه الوظيفة.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد قسم في أمن الدولة متخصص في شؤون الموظفين، سواء في الشرطة أو موظفين مدنيين في الجامعات والتربية والتعليم والموظفين في جميع مرافق الدولة، حتى القطاع الخاص لم يسلم من تدخل أمن الدولة. إذ توجد بعض الأنشطة التي يجب أن يصرح جهاز أمن الدولة بالموافقة على مزاولتها، وهي أنشطة قد تكون تجارية أو خدمية، أي أن الجهاز يراقب ويتدخل في حياة المواطنين، في تعيينهم وعزلهم وفي تعليمهم الدنيوي والديني، وفي كل نواحي الحياة. هكذا، ينتهك جهاز الأمن الدستور والقانون ويعتدي على الحقوق والحريات التي حددها الدستور، الذي يصبح حبراً على ورق، في ظل وجود هذا الجهاز.

ويتضمن نص الدعوى فقرة في نهايتها، جاء فيها: "وحيث إنه تبيّن في الخمس سنوات الأخيرة، ومنذ حل جهاز أمن الدولة، وتأسيس جهاز جديد باسم (جهاز الأمن الوطني)، فإن الجهاز الجديد منذ تأسيسه وحتى الآن يمارس أعمال وانتهاكات الجهاز المنحل نفسها التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير وحالة الغضب العارمة تجاه جهاز الشرطة، ومن ثم أصبحت الأسباب ذاتها التي تم بمقتضاها حل جهاز أمن الدولة قائمة في جهاز الأمن الوطني، وبناءً عليه أطالب بإلغاء قرار إنشاء جهاز الأمن الوطني – حل الجهاز – وما يترتب عليه من آثار".


ولم تكن هذه الدعوى الوحيدة المقامة لحل جهاز الأمن الوطني بمسماه الجديد، بل سبقتها دعوى قضائية أخرى مقامة من المحامي أبو الفتوح عبدالمقصود، وهي الدعوى التي تحمل الرقم (16126 لسنة 69 ق)، وتختصم وزير الداخلية، وتطالب بحل جهاز الأمن الوطني.
وتستند الدعوى في أسباب طلبها على أن إنشاء الجهاز الأمني الجديد قد تم بموجب قرار "سري" غير معلن ولم ينشر في الجريدة الرسمية، ولم تتخذ أي من الإجراءات القانونية السليمة لنشر قرار إنشاء الجهاز في القنوات المحددة لذلك ليحل محل جهاز أمن الدولة، وهي الإجراءات الواجبة في الاتباع والتطبيق لكي يكون قرار الإنشاء صحيحاً من الناحية القانونية.

كما سبقت هذه الدعوى أيضاً شكوى قضائية أخرى مقامة من الباحث القانوني حامد صديق، والتي تحمل الرقم (31136 لسنة 65 ق)، وتطالب بوقف قرار إنشاء قطاع الأمن الوطني لعدم قيامه على سند قانوني، وبمصادرة مقاره بكافة إداراته وتحويلها لمتحف ونصب تذكاري لشهداء 25 يناير.

وتذكر الدعوى أنه بعد التخلص من النظام الذي اعتمد على الأمن السياسي (البوليس السياسي) في السيطرة على نظام الحكم، في العصر الملكي، وبعده تغيير اسم الجهاز - بدلاً من إلغائه - لـ"المباحث العامة" والذي كان ظاهره حماية الأمن العام ولكن وظيفته الأساسية كانت حماية شخص النظام. وحتى بعد انتقال السلطة، استمر الجهاز تحت اسم "مباحث أمن الدولة" ثم قطاع مباحث "أمن الدولة" ثم "جهاز أمن الدولة"، حتى سقط نظام مبارك، إلا أن الجهاز استمر. وتوضح أنه فى 15 مارس/ آذار 2011 صدر قرار من وزير الداخلية بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، ولكن صدر القرار رقم 445 بإنشاء قطاع جديد بالوزارة تحت اسم "قطاع الأمن الوطني"، على نمط جهاز أمن الدولة نفسه، مستخدماً جميع مقاره وفروعه وأدواته وبعض من قياداته وكثير من عناصره، دون سند من القانون أو الشرعية الثورية.

وتضيف الدعوى أن دور هذا الجهاز ينحصر في تتبّع المواطنين والقضاء على مقاومة الظلم وحماية الفساد، ومن ثم فإن إعادة الجهاز أياً كان اسمه، إنما تهدف إلى حماية الفساد وإجهاض الثورة، بدليل تمسك جهاز الأمن الوطني ببعض قيادات الجهاز المنحل والكثير من عناصره، التي كانت شاهدة على المقابر وأدوات البطش وتعذيب المواطنين.