زيارة عمران خان إلى طهران: طريق ملغم يعقد تطوير العلاقات الباكستانية-الإيرانية
وصل رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أمس الأحد، إلى العاصمة الإيرانية طهران على رأس وفد رفيع المستوى، في زيارة رسمية هي الأولى له منذ توليه المنصب في أغسطس/ آب 2018، على أن يلتقي اليوم الإثنين مع كبار المسؤولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني.
وتأتي الزيارة في ظروف إقليمية ودولية غير عادية، وعلى وقع جملة معطيات ومتغيرات في الساحتين، الأمر الذي يزيد من أهميتها، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول أبعادها ودلالاتها. فبعد خسارة الحلفاء التقليديين للسعودية في الانتخابات التشريعية الباكستانية الأخيرة، وصعود رجل باكستان الجديد، كانت طهران تأمل أن تشهد العلاقات الثنائية في عهده تقدماً ملحوظاً، على ضوء تأكيدات عمران خان نفسه على أهمية العلاقة مع إيران وضرورة تنميتها خلال السنوات التي سبقت توليه المنصب، الأمر الذي عرّضه لهجمات إعلامية سعودية، لدرجة أن وصفه الأمير خالد بن عبد الله آل سعود، في مقابلة مع صحيفة "عكاظ" السعودية، بـ"ممثل قم في إسلام أباد". وبعد فوزه في الانتخابات، وفي أول خطاب له، شدّد خان على أن بلاده تتطلع إلى علاقات طيبة وحسن جوار مع إيران، قائلاً إن "الحكومة المستقبلية ستوسع علاقاتها مع إيران".
إلا أن هذه الرغبة واجهت متغيّرات جديدة في المنطقة بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وعودة العقوبات على إيران، حالت دون ترجمتها لأثمانها داخلياً وإقليمياً ودولياً، ولا سيما أن عمران خان الذي فاز بوعوده للمواطن الباكستاني بتحسين وضعه المعيشي وتنمية الاقتصاد، لم يرغب في أن يبدأ العمل بطريقة تجلب لنفسه وبرامجه السياسية والاقتصادية مشاكل كبيرة هو بغنى عنها، فتوجه نحو الرياض، وكانت هي وجهته الأولى في زياراته الخارجية، لحاجة بلاده الماسة إلى المال السعودي، بحسب قوله.
أما أن يزور إيران اليوم، ولو بعد تأخير لشهور، فذلك يؤشر إلى أن رغبته في تعزيز العلاقات معها في طريقها نحو التنفيذ، لكنه طريق ملغوم تعترضه عقبات وعراقيل متعددة. وتكتسب الزيارة أهمية كبيرة على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية كافة. فعلى مستوى العلاقات الثنائية تأتي الزيارة بعد توتر شابها خلال الآونة الأخيرة بعد تزايد المشاكل الحدودية بين الجانبين على خلفية هجمات وتحركات لجماعات مسلحة معارضة، إيرانية وباكستانية، لم يتوان الجانبان في توجيه اتهامات أحدهما إلى الآخر بإيواء تلك الجماعات المعارضة. وفي السياق، رفعت طهران نبرة انتقاداتها واتهاماتها لإسلام أباد، بعد تزايد هجمات جماعة "جيش العدل" الإيرانية المعارضة، التي تنشط على الحدود الباكستانية الإيرانية، في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران. كما أن وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمد قرشي، اتهم إيران، قبل يوم من وصول عمران خان إلى طهران، بإيواء وتقديم الدعم للتنظيمات البلوشية الباكستانية الانفصالية لاستهداف أمن بلاده. وعلى الرغم من هذا الاتهام "الثقيل" الذي وجّهه قريشي ووزارته إلى إيران، قبيل زيارة رئيس الوزراء الباكستاني بيوم واحد فقط، فإن الأخير لم يلغ الزيارة، بل أشفعها برسائل عدة تؤكد أنه يوليها أهمية، منها أن يستهل الزيارة من مدينة مشهد الإيرانية، ومرقد الإمام الثامن لدى الشيعة، مع العلم أن إيران لديها نفوذ قوي بين الشيعة الباكستانيين، لدرجة تمكنت من حشد الآلاف منهم تحت لافتة "لواء الزينبيين" للقتال معها في سورية خلال السنوات الماضية.
وعلى الصعيد الإقليمي، تأتي الزيارة على وقع النزاع الإيراني السعودي المتصاعد، والمنافسة المحتدمة بينهما، لبسط النفوذ في ساحات إقليمية على حساب الآخر، تشكل باكستان إحداها، ليؤكد عمران خان من خلال الزيارة أنه بصدد الموازنة قدر الإمكان بين متطلبات علاقات بلاده التاريخية مع السعودية ومقتضيات حسن الجوار مع إيران، خصوصاً أنه قد زار السعودية مرتين منذ توليه المنصب، بينما تأخر في الذهاب إلى الجارة الإيرانية. ويقول متحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، رداً على سؤال لوكالة "تسنيم" الإيرانية، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي في 11 إبريل/ نيسان الحالي، إن الزيارة كانت على جدول أعمال رئيس الوزراء الباكستاني منذ أشهر، لكنها تأجلت لأسباب لم يذكرها. وفي سياق هذه الموازنة، ليس غائباً عن جدول أعمال الرجل ملف الوساطة بين طهران والرياض، فيقول الخبير الإيراني في شؤون شبه القارة الهندية بير محمد ملازهي إن رئيس الوزراء الباكستاني قد طرح سابقاً أنه يعتزم تخفيض التوتر بين الجانبين، مرجحاً أن يكون التوسط بينهما حاضراً على أجندة زيارته إلى إيران. وفي هذا الجانب، باكستان حالها حال العراق، فهي لا تريد أن تصبح ضحية الصراع بين إيران والسعودية، وبالتالي ترغب في أن تمسك العصى من الوسط، ولو كانت مائلة إلى الطرف السعودي أحياناً. إلا أنها في نهاية المطاف، تقع بين مطرقة متطلبات العلاقات مع الرياض وسندان مقتضيات الجوار مع طهران. ومن الصعب بمكان أن تتجاهل أياً من الطرفين على حساب الآخر، ولو كانت هي أكبر حليف إسلامي لأحدهما أي السعودية، كما قال الأمير تركي الفيصل.
وفي السياق، ينبغي أن يذكر أن زيارة عمران خان إلى إيران تأتي بعد شهرين تقريباً من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باكستان، وقّع خلالها اتفاقيات استثمارية هائلة بقيمة 20 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن لدى الجانبين، الإيراني والباكستاني، مخاوف مشتركة من موضوع انتشار تنظيم "داعش" في أفغانستان، الأمر الذي من شأنه أن يعزز التعاون الأمني بينهما. كما أن وجود حليف أفغاني مشترك، أي حركة "طالبان"، التي كشفت طهران خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن علاقاتها معها وزيارات وفود من الحركة إليها يشكل فرصة إضافية لتعزيز العلاقات الثنائية بينهما. أما على المستوى الدولي، فتأتي زيارة رئيس الوزراء الباكستاني إلى إيران في وقت تتعرض فيه الأخيرة إلى ضغوط أميركية غير مسبوقة على مدى الأربعين عاماً من الصراع بين واشنطن وطهران، تستهدف علاقاتها مع الخارج، وخصوصاً الاقتصادية منها. وبالتالي، ومن هذا المنطلق، تكتسي الزيارة أهمية خاصة لإيران، إذ إنها تأمل أن تشكل دفعة قوية للعلاقات الثنائية، لا سيما في المجال الاقتصادي، لتمكنّها من الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، بالإضافة إلى علاقات مماثلة مع كل من العراق وتركيا ودول أخرى في المنطقة.