في الدول التي أقامت مؤسسات برلمانية ومحاسبة يقف رئيس الحكومة والوزير والسفير والغفير، وهو يتصبّب عرقاً، لأن أي تعهد يطلقه بشأن منجز مرتقب أو خطة قيد التنفيذ يستتبع المساءلة والمحاسبة. أما في الجزائر فخلاف ذلك، عرض خطة الحكومة بالنسبة لرئيسها أو جلسة برلمانية بالنسبة للوزراء، هي تمرين لغوي وحصة للإنشاء، فترة استراحة من المكتب والهواتف، حلقة للعلاقات العامة وفسحة للقاء "الأحبة" من النواب، سوق للزبائنية ومنصة لتجديد الولاء للرئيس.
البرلمان الجزائري هو البرلمان الذي يشعر في أروقته رؤساء الحكومات والوزراء بسعادة الأطفال، هناك تنتشي آذانهم لسماع المديح والمدائح. غير الجزائر، من هي الدولة التي يستغرق فيها نائب في البرلمان أربع دقائق من خمس مخصصة له في كيل المديح لسياسات الرئيس التي انتهت بالبلد إلى حدود الانهيار؟ وفي غير الجزائر ما هو الوطن التي ينسى فيها النائب اسمه ومشكلات مدينته الغارقة في الفوضى ومعضلات السكان الذين انتخبوه، ويأكل من اللغة ما يأكل في مدح قرارات الحكومة التي تعمّق المأزق؟ وما هو البلد غير الجزائر الذي يرقص فيه النواب على طبل الحكومة إلى درجة أن تتحول في نظرهم إخفاقات السلطة والكارثة المحدقة بالبلد إلى منجزات؟
ليس كل نواب البرلمان الجزائري على هذا النحو بالتأكيد، من يشرّفون النيابة سلوكاً وممارسة، لكن القطاع الغالب من البرلمان الجزائري لا يتفوق عليه في "غناء المديح" أو يكاد غير نواب البرلمان المصري. فهنا أقرّ أحدهم أن الرئيس بوتفليقة "معجزة إلهية ومنقذ"، وهناك رأى أحدهم أن عبد الفتاح السيسي "معجزة من إبداع الله".
بعد ما يقارب 60 سنة من الاستقلال، و30 سنة من التعددية السياسية، لم تتجاوز الجزائر عقدة الأب الأسطورة، والزعيم المعجزة، والرجل الملهم، والقائد المنزّه، والحكومة الأم، والدولة الصادقة، والوزارة الراعية. ولا يزال الجهاز الأيديولوجي للسلطة في الجزائر يحقن المجتمع السياسي والمدني بجرعات من الدوغمائية المقيتة التي تحول النفاق السياسي إلى دين للمتزلفة وعقيدة للمتملقين في الجزائر.