لا تزال البادية السورية مسرح معارك كر وفر بين تنظيم "داعش" من جهة، وقوات النظام و"حزب الله" من جهة أخرى، إذ طرد التنظيم هذه القوات من مناطق جديدة، ويحاول الاستيلاء مرة أخرى على بلدة مهمة قرب مدينة تدمر. كما لا يزال يواجه قوات النظام في دير الزور، في وقت يتراجع فيه أمام قوات يدعمها التحالف الدولي تهاجمه في ريفها الشمالي الشرقي. ويواصل "داعش" تحقيق تقدم في البادية السورية على حساب قوات النظام و"حزب الله"، وذلك عبر هجمات مفاجئة، تؤكد مصادر محلية أنها كبدت هذه القوات خسائر جسيمة بالأرواح على مدى عدة أيام من الاشتباكات المتلاحقة، في مؤشر على انهيار هذه القوات في منطقة مترامية الأطراف. وأكدت "تنسيقية مدينة تدمر" أن التنظيم سيطر، مساء الثلاثاء الماضي، على قرية حميمة شرقي مدينة تدمر، في هجوم "خاطف ومفاجئ" على قوات تتبع إلى "حزب الله" كانت تتمركز فيها، مشيرة إلى أن القرية تعرضت أمس الأربعاء إلى قصف جوي مكثف من طيران النظام ومقاتلات روسية.
وكان التنظيم بدأ هجوماً مباغتاً على قوات النظام منذ عدة أيام، أعاد من خلاله السيطرة على مواقع مهمة، منها بلدة القريتين، وأجزاء من بلدة السخنة قرب تدمر، وحقول بترول، ما أدى إلى قطع طريق دمشق- دير الزور، الذي أعلن النظام أخيراً السيطرة الكاملة عليه. وأشارت "التنسيقية"، التي تضم ناشطين يتابعون الأحداث عن كثب، إلى أن الاشتباكات لا تزال تدور في محيط بلدة السخنة، حيث تحاول قوات النظام و"حزب الله" التصدي لمسلحي التنظيم. ونعى "حزب الله" عدداً من مسلحيه، من بينهم علي الهادي العاشق (الحاج عباس) خلال الأيام القليلة الماضية، من المرجح أنهم قتلوا بالاشتباكات المتواصلة مع تنظيم "داعش" في البادية السورية في ظل تأكيدات مصادر مطلعة أن عدد قتلى قوات النظام و"حزب الله" كبير، وربما يتجاوز الـ200 قتيل.
إلى ذلك، لا تزال الاشتباكات تتسيد المشهد في مدينة دير الزور ومحيطها في شرقي البلاد، في وقت تواجه فيه قوات النظام صعوبات في تحقيق تقدم على حساب تنظيم "داعش" الذي يستشرس في الدفاع عن معاقله. وأشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أمس، إلى أن مناطق في قرية الحسينية الواقعة على الضفاف الشرقية لنهر الفرات المقابلة لمدينة دير الزور، تتعرض للقصف من قوات النظام. وأوضح أن اشتباكات "عنيفة تدور بين قوات النظام، والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية من جهة، وعناصر تنظيم داعش من جهة أخرى، على محاور في أطراف منطقة حويجة صكر وفي محيط حي الحويقة، وسط قصف عنيف ومتبادل بين طرفي القتال". وأشار إلى انفجار عنيف هز ريف دير الزور الشرقي، ناجم عن تفجير يرجح أنه بعربة مفخخة، استهدف التنظيم خلاله مواقع لقوات النظام في شرق مطار دير الزور العسكري، أبرز مواقع النظام في محيط المدينة. وسقط عشرات المدنيين ضحايا قصف جوي روسي استهدف تجمعاً للمدنيين على مياه نهر الفرات في مدينة العشارة بريف دير الزور الشرقي شمال شرق سورية. وذكرت شبكة "فرات بوست" المعنية بنقل أخبار محافظة دير الزور، أن عدد الضحايا جراء القصف الجوي على المعبر المائي في العشارة بلغ 50 قتيلاً على الأقل، فضلاً عن عشرات الجرحى.
في هذا الوقت، تتابع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المدعومة من التحالف بقيادة أميركا، تقدمها شمال شرقي دير الزور شمال نهر الفرات، بعد 25 يوماً على بدء عملية "عاصفة الجزيرة"، التي أطلقتها هذه القوات بإسناد من طيران التحالف الدولي لطرد التنظيم من المناطق الواقعة شمال النهر. وقالت مصادر في هذه القوات إن مقاتليها سيطروا الثلاثاء على قرى الهرموشية الكبيرة، والهرموشية الصغيرة، وتل كسرى، وتل أبو فهد، مشيرة إلى مقتل 20 من مسلحي "داعش" في الاشتباكات التي وصفتها بـ"العنيفة". من جهته، أشار "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إلى أن "اشتباكات عنيفة تدور بين قوات سورية الديمقراطية ومجلس دير الزور العسكري من جهة، وعناصر تنظيم داعش من جهة أخرى، على محاور تقع في محيط حقل الجفرة النفطي شرق الفرات في ريف دير الزور". وكان "مجلس دير الزور العسكري"، التابع إلى "قسد"، سيطر منذ أيام على حقل الجفرة، بعد سيطرته على حقل ومحطة "كونيكو"، ويسعى للتقدم نحو حقل العمر، أكبر حقول النفط في سورية.
بموازاة ذلك، لم تحسم "قوات سورية الديمقراطية" المعارك في مدينة الرقة، إذ لا يزال عناصر تنظيم "داعش" يدافعون عن آخر مواقعهم في المدينة، رغم القصف الجوي الكثيف من طيران التحالف الدولي، الذي يخلف يومياً عشرات القتلى والمصابين. وقالت مصادر محلية إن معارك دارت الأربعاء بين مسلحي "داعش" و"قسد" قرب دوار الدلة، ودوار النعيم في قلب مدينة الرقة، إثر اشتباكات مماثلة في حي الكهرباء. يشار إلى أنه مر نحو أربعة أشهر على انطلاق معركة استعادة مدينة الرقة، التي كانت أهم معاقل "داعش" في سورية. وفي حين أن التنظيم فقد السيطرة على معظمها، فإن ما تبقى من المسلحين يواصلون مقاومة القوات المهاجمة، التي أحكمت الطوق على المدينة، التي باتت شبه أنقاض بسبب القصف الجوي والمدفعي الذي لا يهدأ وأدى إلى مقتل أكثر من ألف مدني.